من المنصف أن نقول إن احتمال أن يصبح «بوريس جونسون» رئيس الوزراء المقبل لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، ليس مرحباً به عموماً في هذا الجانب من المحيط الأطلسي. فعضو البرلمان «المحافظ» البالغ من العمر 55 عاماً كثيراً ما أثار الانقسام، ونصف البريطانيين يبتسمون فرحاً عند ظهوره متباطئاً متلعثماً وناقداً لذاته. والنصف الآخر ينتابه الفزع.
ونظراً لأنني أعرف «بوريس جونسون» منذ عام 1983، عندما كنا في جامعة أوكسفورد معاً، فإنني من أنصاره. والشيء الغريب بشأنه، عندما كان طالباً في التاسعة عشرة من عمره، أنه كان طالباً مثالياً، بينما كان بقيتنا يحاولون الاجتهاد. ولم يكن الأمر قاصراً على رضاه عن ذاته، وإنما كان لديه إحساس مؤكد بشأن مصيره. وأعطى انطباعاً أنه في مرحلة ما من مستقبل بريطانيا، وفي خضم أزمة وطنية، سيهب وينقذ البلاد. وها نحن على وشك اكتشاف ما إذا كان مجرد شخص نرجسي وواهم، أم أنه صاحب بصيرة نافذة ورؤية تاريخية.
وقبل دخوله عالم السياسة، كانت لدى «جونسون» حياة مهنية ناجحة بصفته صحفياً، فأصبح، وهو ابن الخامسة والثلاثين من العمر، رئيساً لتحرير «ذا سبكتاتور»، وهي مجلة أسبوعية مرموقة، لكنه أقيل من وظيفته، في صحيفة «ذا تايمز أوف لندن»، بسبب ما قيل آنذاك بأنه قام باختلاق تصريح في أحد مقالاته.
وعندما شغل منصب وزير ظل للفنون في حزب «المحافظين» عام 2004، طمأن زعيم الحزب آنذاك «مايكل هوارد» بأن شائعات علاقته بالصحافية «بترونيلا ويات»، كانت محض أكاذيب، لكن تم اكتشاف أنها كانت حقيقية، فأقاله «هوارد».
وكان أرفع منصب شغله «جونسون» هو وزير الخارجية وشؤون الكومنويلث من 2016 إلى 2018، لكنه لم يُحط نفسه بالمجد، وحتى هذه اللحظة، كان الناس يظنون أن شخصيته المرتبكة مجرد تمثيل، لكنه لم يكن دائماً عند حسن الظن كوزير للخارجية، مثلما حدث عندما أخبر البرلمان أن البريطانية «نازانين زاغاري راتكليف» المعتقلة في إيران، كانت «تعلم الناس الصحافة فحسب». لكن ذلك لم يقنع السلطات الإيرانية، ولا تزال «راتكليف» معتقلة حتى يومنا هذا.
وما يمكنني أن أقوله دفاعاً عن «جونسون» هو أن عمله في الصحافة ربما «اتسم بالسذاجة» من حين إلى آخر، لكنه واحد من أكثر الكتاب، والمتحدثين، طرافة في جيله. وهو مخطئ سياسياً، والسبب الحقيقي هو أن النخب المنافقة في بريطانيا لا تحبه بدرجة كبيرة.
وفي مقال له نشرته صحيفة «ديلي تليجراف» العام الماضي، سخر «جونسون» من البرقع الإسلامي، فأدى ذلك إلى سيل من الاتهامات الموجهة له بـ«الإسلاموفوبيا»، على رغم من أنه أكد في المقال ذاته أنه يعارض حظر الدانمارك للبرقع. والواقع هو أن جيش من الُمنقّبين عن الأخطاء يُنقبون عميقاً في كل ما كتبه أو قاله جونسون، بحثاً عن أي دليل على «تعصبه». لكن الحقيقة هي أنه «محافظ ليبرالي» مؤيد للهجرة.
وفي حين أنه خيّب ظن كثيرين عندما كان وزيراً للخارجية، لكنه حقق نجاحاً باهراً في منصب عمدة لندن، عندما انتصر في البداية على شاغل المنصب اليساري المتشدد «كين ليفينجستون» في عام 2008 في مدينة كانت تُصوّت تقليدياً لحزب «العمال»، ثم بإعادة انتخابه مرة أخرى. وأثناء سنواته الـ8 في المنصب، تراجعت الجريمة، وازدهرت الإنشاءات، وانخفضت معدلات الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق بمعدل 50%. ومضى قدماً لتعزيز سمعته كماكينة انتخابية لا تقهر، عندما قاد حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى الانتصار في الاستفتاء على «بريكسيت» عام 2016.
ومن بين كل شيء، فإن قيادته لحملة «بريكسيت» هي ما تجعله خليفة مثالياً لـ«تريزا ماي» كرئيس للوزراء. وتعهد «جونسون» بإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بحلول 31 أكتوبر، سواء أتم التوصل إلى اتفاق أم لا، وإذا نجح في ذلك، فعلى الأرجح لن يواجه مشكلة في الفوز في أية انتخابات عامة.
لكن ماذا لو عارضه البرلمان، مثلما هو مرجح؟ في ظل هذا السيناريو، سيتعين عليه بالتأكيد خوض انتخابات في ظروف أشد صعوبة بكثير، وسيواجه حزب «بريكسيت» المناهض للاتحاد الأوروبي من جانب وحزب «العمال» بقيادة «جيرمي كوربين» من جانب آخر. و«كوربين» اشتراكي كاره للرأسمالية من المدرسة القديمة، ويُثني على قيادة هوجو تشافيز لفنزويلا باعتبارها خطة جيدة لبريطانيا.
وإذا ما عقدت أية انتخابات قبل الخروج من الاتحاد الأوروبي، فيبدو أن «بوريس جونسون» هو «المحافظ» الوحيد القادر على هزيمة «كوربين» وتجنيب بريطانيا كارثة.
فهل سيصبح «جونسون» رئيس وزراء رائعاً لبريطانيا؟ كثير من الناس لا يعتقدون ذلك، أما أنا فلن أراهن على فشله.
*صحفي بريطاني
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»