يدشن علي باباجان، نائب رئيس الوزراء التركي السابق، حركته السياسية بعد خلاف مع الرئيس رجب طيب أردوغان، مما قد يعزز حماس المعارضين في الحزب الحاكم، الذين يواجهون معركة شديدة الصعوبة ضد رئيس البلاد. وأُعلنت استقالة باباجان، وهو أحد مؤسسي حزب «العدالة والتنمية»، يوم الاثنين الماضي، بعد أن أقال أردوغان محافظ البنك المركزي، لكن لم يتحدد موعد لإنشاء حزب جديد.
وذكر مصدر مطلع أن الهجوم غير المسبوق على البنك المركزي، الذي كان ذات يوم من صلب اختصاص «باباجان» كوزير مسؤول عن اقتصاد تركيا، يُظهر التدهور في حكم القانون وفي الخريطة الاقتصادية، مما أدى إلى رحيله. والانفصال يعكس شقاقاً يتسع مع رئيس تركيا داخل الحزب الحاكم، منذ أعلن أحمد داود أوغلو الذي اختاره أردوغان بنفسه ليتولى قيادة حزب «العدالة والتنمية» تمرده علناً في أبريل الماضي. والمعتدلون في الحزب الحاكم يشعرون بالتهميش بعد مسعى أردوغان تشديد قبضته على مجالات السياسة المحورية، منذ أن أدى اليمين الدستورية مع الحصول على المزيد من السلطات بعد انتخابات العام الماضي.
وأشار تيموثي آش من شركة «بلوباي آست مانجمنت» في لندن، في رسالة بالبريد الإلكتروني، إلى أن باباجان ربما يكون أكثر الوزراء السابقين من الحزب الحاكم تمتعاً بالاحترام، وأن خروجه من الحزب يمثل «ضربة كبيرة لأردوغان».
وقلل الرئيس التركي، الذي صعد هو نفسه إلى سدة الحكم من خلال حزب منشق أسسه عام 2001، من شأن الانشقاق. وحين سئل عن حالة التمرد الحالية، ذكر أن بعض الذين تركوا حزب «العدالة والتنمية» تعرضوا للنسيان وأصبحوا تاريخاً. لكن خروج باباجان من المحتمل أن يكون مختلفاً، خاصة بعد فوز ائتلاف أردوغان الحاكم بأقل من 50% من الأصوات في الانتخابات المحلية، في وقت سابق من العام الجاري.
والجدير بالذكر أن باباجان البالغ من العمر 53 عاماً، أشرف على فترات الازدهار الاقتصادي الذي زاد فيه حجم اقتصاد تركيا ثلاثة أمثال، بعد أزمة اقتصادية عصفت بالمؤسسة السياسية عام 2001. وعلى خلاف أردوغان، يؤمن باباجان بشدة بسياسات الاقتصاد الليبرالي على الأقل نظرياً. صحيح أنه امتنع عن إعلان مهاجمته في مجلس الوزراء لسياسات أردوغان الخاصة بتحقيق النمو بأي ثمن في السنوات القليلة الماضية، لكنه دافع عن معدلات الادخار الأعلى وتقليص العجز في الميزان الجاري، وتحقيق نمو أكثر اعتدالاً في الائتمان، لوضع الاقتصاد على مسار أكثر قدرة على الاستدامة.
وذكر المصدر المطلع أن باباجان حين زار أردوغان في الآونة الأخيرة لمناقشة مغادرته للحزب، حاول الرئيس إثناء وزيره السابق للاقتصاد عن عزمه، بأن قدم له فرصة للاستمرار في العمل مع مسؤولي الحزب الحاكم، وهو عرض رفضه باباجان، مشيراً إلى خلافات لا يمكن جسر فجوتها. وأكد معاون لأردوغان أن باباجان اجتمع مع الرئيس في الآونة الأخيرة، ليخبره عن خططه لتشكيل حزب سياسي جديد، لكنه لم يشر إلى أن أردوغان قدم لحليفه السابق أي بدائل. ولم يتسن الوصول لمسؤولين من الرئاسة للتعليق يوم الاثنين.
وباباجان ليس الشخصية البارزة الوحيدة المنشقة في الحزب الحاكم. فقد انشق أحمد داود أوغلو، وهو رئيس وزراء سابق، في أبريل حين أعلن أن الحزب «يتعين أن يواجه واقع تقلص الدعم الشعبي» نتيجة سياسات «متغطرسة». ويعتقد داود أوغلو، مثل باباجان ودائرة مؤيديه، أن الركود الحالي يعتبر فترة أزمة تتطلب تعديلاً في إدارة الاقتصاد. ويشير مصدران مطلعان إلى أن انتقاد داود أوغلو وباباجان لفريق تركيا الاقتصادي الجديد، يصب في نهاية المطاف على تعيين بيرات البيرق صهر أردوغان كوزير للخزانة والتمويل. ويرى داود أوغلو وباباجان أن سوء الإدارة والأخطاء الاقتصادية دفعت تركيا إلى الكساد، وأن استمرار السياسات الحالية يزيد الأمور تفاقماً.
وتشترك حركتا داود أوغلو وباباجان في الاستياء من الطريقة التي يدار بها الاقتصاد، وكلاهما يعتقد أن تركيا تحت حكم أردوغان شهدت افتئاتا ًعلى مؤسساتها الديمقراطية والحكم العام للقانون. لكن وجهات نظرهم بشأن أولويات السياسة لا تجعل الاتحاد بينهما مرجحاً في وقت قريب. ومن المتوقع أن يشكل داود أوغلو حزبه في سبتمبر، بينما لم يعلن فريق باباجان موعداً محدداً لتشكيل حزب.
وبصرف النظر عما إذا ما كان المعسكران سيعلنان اتحاداً، فإنهما يواجهان معركة صعبة، لأن أردوغان مازال يسيطر بقوة على وسائل الإعلام ومؤسسات الدولة، مما يجعل من الصعب على المنافسين السياسيين تنظيم حملات دعائية بحرية. وحتى الآن نجح الرئيس في تشويه صورة المنشقين عن حركته، وحذر في الآونة الأخيرة ناخبيه من «خيانة» الانضمام لأشخاص مثل باباجان أو داود أوغلو.
فيرات كوزك
*مراسل «بلومبيرج» في أنقرة
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»