عندما أمضى الرئيس دونالد ترامب بضع لحظات شمال خط الترسيم بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية الشهر الماضي، أصبح أول رئيس أميركي يزور كوريا الشمالية، بيد أن هذا قد يكون حدثاً تاريخياً أقل بكثير من شيء آخر يبدو أنه حدث في «بانمونجوم» وهي قرية الهدنة (حيث وقع اتفاق الهدنة الكورية في 1953): لقد قبلت الولايات المتحدة كوريا الشمالية كقوة نووية.
لا، لم تفعل الحكومة ذلك رسميا، وعند سؤالهم، سينكر مسؤولو إدارة ترامب هذا. لكن من الصعب تجنب الشعور الذي شعر به ترامب لكي يتوقف عن القلق، ويعجب بقنبلة كوريا الشمالية.
على أي حال، عندما خرج ترامب وحاكم كوريا الشمالية «كيم جونج أون» من اجتماعهما الذي استمر 50 دقيقة في المنطقة منزوعة السلاح، لم تشر التصريحات الرسمية التي أعقبت الاجتماع إلى القضية النووية. ولم يشر إليها كذلك استعراض وقائع الاجتماع الصادر عن الكوريين الشماليين. وبينما رفض الجانب الأميركي تقديم قراءته الخاصة، قام وزير الخارجية «مايك بومبيو» بتلخيص المناقشة بقول «يريد الرئيس كيم حقا إنجاز شيء ما»، وبعد ذلك رفض الاستفاضة عما قد ينطوي عليه هذا الشيء.
لقد طرح الصحفيون، بالطبع، مسألة الأسلحة النووية لكوريا الشمالية خلال أسئلتهم. ولكن على العكس من الاجتماعات السابقة في سنغافورة وهانوي، حيث وعد ترامب بالإسراع «بنزع السلاح النووي» لكوريا الشمالية، إلا أن الرئيس أشار هذه المرة فجأة إلى أنه «لا يتعجل» تخلي «كيم» عن القنبلة. وفي هذا المؤتمر الصحفي، أكد بومبيو على أن ترامب ليس في عجلة، وأن المفاوضات «ستمضي قدماً بكل سرعة متعمدة».
(كانت هذه مزحة من جانب بومبيو، بالمناسبة. لقد كان يبحث عن هذه العبارة المحددة لأن «كل السرعة المتعمدة تعني ببطء، وربما لا تمضي على الإطلاق).
هذا تغيير كبير بالنسبة لإدارة أكدت مراراً وتكراراً على السرعة التي يجب أن تتخلى بها كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية. بعد قمة سنغافورة، زعم ترامب أن كيم سـ «يُخلي المكان بأكمله من السلاح النووي، وأنه سيبدأ في ذلك سريعا. أعتقد أنه سيبدأ الآن». وأصدر بومبيو بيانا رسميا يؤكد أن جولة واحدة من الاجتماعات التي يمكن نسيانها الآن «ستشهد بداية...عملية نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية سريعا، على أن تكتمل بحلول يناير 2021، على النحو الذي تعهد به الرئيس كيم».
وكان مسؤولو الإدارة يصرحون باستمرار أن هذه العملية السريعة لنزع السلاح يجب أن تكتمل قبل أن تحصل كوريا الشمالية على أي تخفيف للعقوبات على الإطلاق. وعندما انهارت المفاوضات في هانوي، كان ذلك لأن كوريا الشمالية أرادت رفع العقوبات جزئيا على الفور. وعلى النقيض من ذلك، كان ترامب مازال مصراً على «نزع السلاح النووي بالكامل». وعند سؤاله عن إمكانية التوصل إلى اتفاق أصغر في أعقاب هذا الإخفاق، رد «ستيف بيجون» الممثل الخاص للرئيس لكوريا الشمالية، بتكرار النغمة التي هيمنت على تفكير الإدارة بشأن الغرض من هذه العملية: «ما نتفاوض بشأنه هو نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية نهائيا وبشكل كامل يتم التحقق منه».
وبعد «بانمونجوم»، مع ذلك، بدا ترامب فجأة أنه منفتح على الفكرة التي رفضها في هانوي. وقال ترامب للصحفيين «نعم، ستظل العقوبات، ولكن في مرحلة ما خلال المفاوضات، يمكن أن تحدث أمور. وفي مرحلة ما، أتطلع إلى نزعها». ويبدو أن تعليق ترامب يعكس تحولا في التفكير بين مسؤولي الإدارة، الذين يبدو أنهم يفكرون الآن في تخفيف محدود للعقوبات مقابل خطوات أصغر بكثير من جانب كوريا الشمالية. وفي الأسبوع الماضي، أشارت قصص إخبارية متعددة إلى اتفاق ستقوم كوريا الشمالية بموجبه «بتجميد» –أو ربما مجرد إبطاء –إنتاج أسلحة نووية جديدة. وندد مستشار الأمن القومي الغاضب ظاهريا «جون بولتون» بالتسريبات، زاعما «لم يناقش مسؤولو مجلس الأمن القومي ولا أنا أو حتى سمعنا عن أي رغبة في ’تسوية لتجميد نووي من قبل كوريا الشمالية‘. لقد كانت هذه محاولة بغيضة من قبل شخص ما لوضع الرئيس في مأزق».
إن غضب بولتون أمر مفهوم. على أي حال، لقد تم إبعاده في منغوليا، بينما بدا «تاكر كارلسون»، مذيع وصحفي أميركي، بطلا في عمله. ولكن الأهم من ذلك، فإن «التجميد» هي أقذر كلمة في تاريخ المفاوضات مع كوريا الشمالية، على الأقل إذا كنت جمهوريا. عندما تفاوضت إدارة كلينتون بشأن نهاية يمكن التحقق منها لإنتاج كوريا للبلوتونيوم في عام 1994، انتقد الجمهوريون على الفور هذا باعتباره مجرد «تجميد»، يترك مادة لتصنيع سلاح واحد أو ربما سلاحين نوويين ربما تكون كوريا الشمالية قامت بتخزينها قبل الاتفاق. (وكان الجمهوريون في عام 2000 يعتقدون أن الاجتماع مع قادة كوريا الشمالية خطأ وأن التفاوض معهم كان ترضية).
وعندما قام بولتون وبقية إدارة بوش بتدمير الإطار المتفق عليه –على حد تعبير بولتون –وعدوا بالتفاوض على صفقة أفضل بكثير من التجميد الذي اتفق عليه كلينتون، مشكلة وصفوها بأنها تنص على «التفكيك الكامل والقابل للتحقق منه والذي لا رجعة فيه للبرامج النووية لكوريا الشمالية». ولم يحدث هذا أبدا. عندما اختبرت كوريا الشمالية سلاحا نوويا في 2006، استقرت إدارة بوش على محاولة التفاوض على التجميد. وابتكر مسؤولو الإدارة كلمة -«تعطيل» –والتي بدت مثل «التفكيك» حتى لا يضطروا إلى استخدام كلمة تجميد.
لذا لنا أن نتخيل مدى غضب بولتون عندما بدا ترامب وكأنه يفكر في نفس النهج الذي طالما انتقده. إنه أمر مكروه بالنسبة لكل شيء كتبه بولتون أو قاله عن كوريا الشمالية على مدى العقدين أو الثلاثة عقود الماضية.
وهذا يعني أنها فكرة معقولة.
يجب أن يكون واضحا للجميع أن كيم ليس لديه النية للتخلي عن أسلحته النووية. وبينما وعد مسؤولون أميركيون وكوريون جنوبيون مرارا وتكرارا بأن كيم سيقوم بنزع السلاح، أوضح الكوريون الشماليون عدة مرات أن هذا ليس واردا. وعندما روج بولتون لـ «النموذج الليبي» لنزع سلاح كوريا الشمالية، رفض المسؤولون الكوريون الشماليون صراحة «التخلي أحادي الجانب عن السلاح النووي»، ورفضوا التواصل مع نظرائهم الأميركيين الذين يحاولون التحضير لعقد قمة في سنغافورة. وعندما أحيا المسؤولون الأميركيون عبارة «التفكيك الكامل والقابل للتحقق منه والذي لا رجعة فيه»، رفض الكوريون الشماليون الاجتماع حتى يتم إلغاء هذه العبارة الكريهة. وعندما حاول بومبيو تحويل عبارة «إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية» إلى إخلاء كوريا الشمالية، نشرت وسائل الإعلام الكورية الشمالية تعليقا يقترح عليه أخذ درس في الجغرافيا.
لذا، فإنه في المستقبل المنظور، تخطط بيونج يانج للاحتفاظ بالقنبلة. ولكن ليس ثمة سبب يدعو إلى وقف المحادثات. والاحتمال الحقيقي لنشوب حرب نووية مع بيونج يانج يعد سببا لمواصلة الحديث، ليس عن نزع السلاح، ولكن عن بناء بنية أمنية مختلفة. لقد أوقفت كوريا الشمالية التجارب النووية والصاروخية الاستفزازية وأعربت عن استعدادها لإغلاق بعض المنشآت النووية. بيد أن هذه الإجراءات لا ترقى إلى مستوى هدف نزع السلاح، ولكن يجب أن تكون كافية لتخفيف العقوبات والسماح للعملية الدبلوماسية للقيام بدورها.
ومن الصعب تخيل ترامب يقدم هذا البرنامج الطموح، بالطبع. لكن عدم وجود حرب نووية يعد بداية جيدة.
جيفري لويس: باحث في معهد ميدلبري للدراسات الدولية في مونتيري.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»