صادرت قوات من البحرية الملكية البريطانية، في الأيام القليلة الماضية، ناقلة تحمل نفط خام إيراني وهي تدخل البحر المتوسط عبر مضيق جبل طارق، وبهذا تفاقمت مشكلة سوريا في حصولها على ما تحتاج إليه من النفط. ومع توقف إمدادات إيران إلى سوريا، يتعين أن يأتي التدفق عبر طريق آخر والبديل مثير للمتاعب. وكانت الناقلة «جريس1» العملاقة قد تم تحميلها بشحنة من النفط الإيراني في منتصف أبريل الماضي، وانطلقت في رحلة طويلة لتلتف حول أفريقيا من الجنوب كي تصل إلى شرق المتوسط. والسفينة تم إيقافها بسبب الاعتقاد بأنها تتوجه إلى مصفاة مملوكة في نهاية المطاف لوزارة البترول السورية، المفروض عليها عقوبات من الاتحاد الأوروبي.
والرحلة من إيران إلى سوريا حول أفريقيا تمتد 14500 ميل (23300 كيلومتر) مقارنة مع 4100 ميل عبر البحر الأحمر وقناة السويس. فما سبب سلوك هذا مثل هذه الطريق الملتفة؟ السبب أن النفط الإيراني غير مقبول في خط أنابيب «سوميد»، الذي يعبر مصر ويصل بين البحرين الأحمر والمتوسط.
وفي الآونة الأخيرة، مُنعت الناقلات المحملة بالنفط الإيراني المتجهة إلى سوريا من استخدام قناة السويس. وهذا تطور جديد فيما يبدو لأن حجم تجارة النفط بين البلدين بين عامي 2016 و2018 عبر هذا الممر المائي بلغ في المتوسط نحو 50 ألف برميل في اليوم. وكل السفن التي شاركت في هذا النقل ولم تخرج من الخدمة أو تباع، تظهر في قائمة ناقلات تقوم بنشاط يعاقب عليه القانون في قائمة نشرها في مارس الماضي «مكتب التحكم في الأصول الأجنبية» التابع لوزارة الخزانة الأميركية.
ولنا عبرة في مصير إحدى هذه السفن، وهي سفينة «سي شارك» وهي من ذاك الطراز الذي يمثل أقصى ما تسعه قناة السويس. فقد كانت السفينة محملة بنحو مليون برميل من النفط الإيراني حين وصلت إلى المدخل الجنوبي لقناة السويس في نهاية نوفمبر، لكن تم ردها بعد ذلك بيوم، وفقاً لبيانات ترصد تحركات الناقلات، وظلت راسية قبالة الشاطئ المصري ما يقرب من خمسة شهور قبل أن تعود إلى السويس في نهاية أبريل. ومازالت هناك ومازالت محملة بالنفط. وقبل الرحلة التي تم اعتراضها كانت السفينة قد قامت بما لا يقل عن 11 رحلة بين عامي 2017 و2018 لنقل النفط من إيران إلى سوريا.
وهذا لا يعني أن خام إيران محظور تماماً في الممر المائي، لأن السفن التي تتوجه إلى تركيا مازالت قادرة على العبور. لكن هذا يعني أن السفن المتجهة إلى سوريا والمحملة بالنفط الإيراني عليها أن تسلك طريقا أطول بكثير حول أفريقيا، وأن سفينة أكبر قد تجعل الرحلة أقل كلفة. فالسفينة «جريس 1» تستطيع حمل ضعف ما تحمله «سي شارك». لكن هذه الطريق تعبر مياه الاتحاد الأوروبي لأن السفن تدخل البحر المتوسط وفيه تمت مصادرة السفينة «جريس 1». ونفت حكومة جبل طارق زعم وزارة الشؤون الخارجية الإسبانية بأن العمل نفذ بناء على طلب أميركي.
وإذا لم تستطع سوريا الحصول على الخام الإيراني عبر البحر، فماذا عن البر؟ هذا سيكون صعباً. فحلفاء الولايات المتحدة يسيطرون على معظم الأراضي المنتجة للنفط في سوريا نفسها، بينما تنتشر قوات أميركية في معظم المعابر بين العراق وسوريا وهو ما كان يستخدم لخلق طريق برية للنفط الإيراني. ومن الواضح أن سوريا تحتاج إلى استيراد النفط. فالرئيس بشار الأسد يخوض حرباً بالإضافة إلى الاستهلاك الاعتيادي للنفط. ولأن العقوبات قيدت بشدة مجاله من الموردين المحتملين، فليس لديه إلا التحول إلى أنصاره. وطرق التهريب التي أقامتها «داعش» من قبل لتصدير النفط من سوريا لا تعمل حالياً في الاتجاه المعاكس، لكنها ربما تعمل قريباً.
وبعض الوقود الذي تم نقله كي تواصل الطائرات والمركبات الحربية الروسية عملها، ربما وجد طريقه إلى الدولة السورية. والحكومة السورية لديها صديقان من كبار منتجي النفط هما إيران وروسيا. ومع إغلاق الطرق مع إيران، فقد تتحول إلى روسيا. وهذا يطرح طائفة جديدة محتملة من المخاطر. لكن مصادرة سفينة إيرانية في مضيق جبل طارق شيء، وإيقاف سفينة روسية في بحر إيجة شيء آخر تماما.
* مفكر استراتيجي متخصص في قضايا النفط
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»