كانت دول شبه الجزيرة العربية محفوفة بالمخاطر، وبعد اكتشاف النفط زادت المطامع الإقليمية والدولية في المنطقة، ما دفع أمير دولة الكويت، آنذاك، الشيخ جابر الأحمد الصباح، أن يقترح على رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في 16 مايو 1976، فكرة إنشاء مجلس التعاون الخليجي. فهذه الفكرة نبعت من الإحساس بالأخطار التي تهدد الأمن القومي لدول شبه الجزيرة العربية. وفي 25 مايو 1981 توصّلت دول الخليج العربي، خلال اجتماعها في أبوظبي، إلى صيغة تعاونية تهدف إلى الترابط بين دولهم في جميع الميادين، أهمها في التعاون الأمن القومي والفكري. فهذا التماسك ظل بين دول المجلس، إلا أن حدث انقلاب الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، على والده خليفة بن حمد آل ثاني عام 1995، وبدأت تختل الموازين إلى أن وصلت إلى أزمة 2017.
فعالية مجلس التعاون الخليجي ثبتت عند غزو الكويت. فللأسف أيام الغزو كان موقف بعض الدول العربية، وحتى بعض المفكرين والمثقفين العرب، مؤيداً لغزو الكويت، وكانوا يشكلون خطراً أكبر من صدام حسين، لأن منهم من ساندوه صراحة، ومنهم من كان يدس السم في العسل، بالحديث عن حلول غير منطقية تمنح صدام فرصة لتثبيت الأمر الواقع وتنفيذ مخططه. ولولا مجلس التعاون الخليجي، ومساندة دول الخليج للكويت عسكرياً وأمنياً، لكان من الصعب تحرير الكويت. وفي مقال له عام 1991، بعنوان «صفحات من تاريخ أمة»، ذكر سعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ما يعد رثاءً للعمل العربي المشترك وتشخيصاً لتفكك الأمة، منتقداً المواقف المخزية لدول عربية وجماعات ومفكرين ومثقفين متحمسة للجريمة وللدمار، أو يبررون ذلك من أجل تشتيت الانتباه والانحراف عن الحقيقة. ومن ثم اختتم المقال قائلاً: «يا طفلتي الصغيرة التي أفاقتها أصوات البنادق وأزيز الدبابات بدلاً من أجراس المدارس: لا تحزني. إنك جزء من أمة تحتضر، أمة فقدت العطاء، وأصبحت أسيرة التابوت الذي صنعه أبناؤها».
لقد كان سر فعالية مجلس التعاون آنذاك، ليست القوة العسكرية والأمنية ولا حتى المادية، بل الإجماع على موقف واحد قوي اتخذه المجلس لمواجهة التحديات. هذا الموقف المتوحد لم يعد موجوداً، خاصة بعد الانقلاب في قطر عام 1995.
من أهم الاختلافات، التي حدثت بين قطر ودول مجلس التعاون بعد الانقلاب، هو انحراف قطر عن خط مجلس التعاون، بالنسبة للأمن الفكري والقومي المتفق عليه منذ تأسيس المجلس. فعن الجانب الفكري شكلت قناة «الجزيرة»، التي أطلقت عام 1996 نقطة اِفْتِرَاق بين قطر ودول المجلس، وهذا ليس بسبب مساحة الحرية وكسرها للمحرمات بالهجوم على الأنظمة العربية، بل لأن أسلوبها في طرح الحوار صار يميل إلى الأسلوب التعبوي، الذي تتبناه بعض الدول العربية ذات الاتجاه الثوري، والذي يختلف عن مسار دول الخليج التي تمثل الاتجاه التنموي السلمي.
الاختلاف على الأمن الفكري، الذي تمثل في قناة الجزيرة انعكس أيضاً على الأمن القومي، وهنا تشكل الخطر الأكبر. فقد اتضح أن هدف النظام في قطر ليس التطوير والحداثة كما بدا في البداية، بل جل الاهتمام هو تمكين «الإخوان المسلمين» من السلطة وقلب الأنظمة العربية باسم الديمقراطية، واتضح ذلك في أحداث «الربيع العربي»، التي كانت مدعومة أيضاً من الدول الغربية. هذا الصراع استمر إلى أن بلغ الاختلاف ذروته بأزمة قطر، التي أدت إلى مقاطعة الإمارات والسعودية والبحرين لقطر، ومن ثم تشكل الثالوث (القطري-الإيراني-التركي) الداعم للإسلام السياسي الثوري.
هذه الصراعات، أدت إلى تصعيب مهمة مجلس التعاون، فالوضع تعقد عما كان في السابق. فالحروب ليست بشكل مباشر، كالتي شنها صدام حسين بل الحروب الآن بالوكالة، هذا عدا الحروب الكلامية، من خلال تعدد مصادر الإعلام، بعكس ما كان عليه في فترة غزو الكويت، والتي استحوذت قناة ال CNN على بث الأخبار عن الغزو والحرب.
كل هذه التحديات، التي يمر بها مجلس التعاون الخليجي تتطلب خطة أمنية وإعلامية، لمواجهة النظام القطري المنحرف عن المسار الذي اتفق عليه منذ تأسيس المجلس. لكن أهم من ذلك هو تأسيس مدرسة فكرية تدعم الاتجاه التنموي السلمي الخليجي، وذلك بدعم الكوادر الوطنية، وأن يكون المجلس مؤثراً، وليس متأثراً بالخبرات العربية التي تعمل معه، والتي قد تكون حاملة لأيديولوجيات لا تتماشى مع الاتجاه الخليجي.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي