لم يكن اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة، بعلوم الفضاء والفلك وليد هذه المرحلة من الزمن، وإنما بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي، عندما التقى المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مع فريق وكالة «ناسا» المسؤول عن رحلة أبولو إلى القمر، الأمر الذي حفّز الدولة على السعي لأن يكون لها مكانة متقدمة بين الأمم في هذا المجال، وهو ما أدى إلى ولادة قطاع وطني للفضاء، تجسّد بتأسيس شركة الثريا للاتصالات في أبريل 1997، وشركة «الياه» للاتصالات الفضائية «ياه سات» في عام 2007، التي سبقها في عام 2006، إنشاء «مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة»، التي عملت حتى عام 2015، إلى أن تم دمجها مع «مركز محمد بن راشد للفضاء»، الذي سبقه تأسيس «وكالة الإمارات للفضاء» في عام 2014، بهدف تطوير قطاع الفضاء في الدولة، والدفع به نحو الأمام.
ويأتي إطلاق القمر الصناعي «عين الصقر»، من المحطة الفرنسية «غيانا» إلى مداره، اليوم السبت، بعد أن أكملت دولة الإمارات الاستعدادات كلها لذلك، حيث استغرق تصنيع القمر 4 سنوات، ليباشر الفريق الفني للدولة إجراءات تجهيز القمر للإطلاق منذ الأول من يوليو الجاري، عبر إجراء سلسلة من الاختبارات، سيتم إطلاقه بعدها بواسطة الصاروخ «فيغا» التابع لشركة «أيرين سباس»، ليسهم في توفير تغطية عالمية لمدة 10 سنوات مقبلة للاستخدام العسكري والمدني، ‎من خلال نظام تصوير عالي الوضوح والدقة، لالتقاط صور فضائية للأرض، وإرسالها إلى محطة التحكم الأرضية داخل مركز الاستطلاع الفضائي، الأمر الذي يجعل دولة الإمارات تسجل بذلك إنجازاً نوعياً جديداً يعزز من مكانتها مركزاً للأقمار الصناعية المتقدمة.
لقد تمكنت دولة الإمارات، خلال سنوات قليلة، من تعزيز تنافسيتها في مجال الأقمار الصناعية على خريطة الدول المتقدمة، نتيجة امتلاكها برامج فضاء مكنتها من إثبات نفسها قوة دولية ناعمة في المجالات المعرفية والتقنية وتكنولوجيا الفضاء، حيث بات هذا القطاع جزءاً أساسياً من الاقتصاد الوطني والأمن القومي لها، لترسخ من مكانتها ضمن الدول الكبرى في مجال علوم الفضاء، يشهد على ذلك، دخولها عصر التصنيع الفضائي الكامل، بإطلاق «خليفة سات» في أكتوبر 2018، ولتطلق الآن القمر الصناعي «عين الصقر» إلى مداره. كما ينظر إلى «مسبار الأمل»، كأول مسبار عربي وإسلامي، سيتم إرساله إلى كوكب المريخ في عام 2021، تزامناً مع احتفالات الدولة باليوبيل الذهبي لتأسيسها، بوصفه إنجازاً تاريخياً لدولة الإمارات، ولاسيما في ظل طموحاتها الرامية إلى إيصال البشر إلى المريخ خلال العقود المقبلة، من خلال مشروع «المريخ 2117»، الذي يتضمن برنامجاً وطنياً لإعداد كوادر علمية وتخصصية وطنية، في مجال استكشاف الكوكب الأحمر، من أجل بناء أول مستوطنة بشرية عليه خلال 100 عام.
ما حققته دولة الإمارات في قطاع الفضاء، لم يكن ليتحقق لولا اهتمام وتوجيهات القيادة الرشيدة، باعتماد مجموعة من الاستراتيجيات والمبادرات والمشاريع، وتوقيع عدد من مذكرات التفاهم مع أهم الجهات الفاعلة في قطاع الفضاء العالمي التي جعلتها قادرة على تطوير قطاع فضاء وطني منظم، تشريعياً ومؤسسياً، وتوجيه برامج الفضاء الوطنية لتعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، وعلى مكانة الدولة في سلّم مؤشرات التنافسية والابتكار، الأمر الذي أوصلها إلى امتلاك 10 أقمار صناعية إلى الآن، يتوقع وصولها إلى 12 في العام المقبل، بعد أن استثمرت أكثر من 20 مليار درهم في تكنولوجيا الفضاء، استناداً إلى سياسة وطنية تهدف إلى بناء قطاع فضائي وطني قوي ومستدام، يدعم المصالح الوطنية ويحميها، ويعزز الكفاءات الإماراتية المتخصصة، ويطور قدرات أبنائها ومهاراتهم العلمية والتقنية، ويرسخ من ثقافة الابتكار، ويسهم في تنويع الاقتصاد ونموه، ويعزز من مكانتها الإقليمية والدولية.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.