وجدت «جودرن أستا جونارسدوتير» نفسها في قاع أحدث أزمة اقتصادية في أيسلندا، البلد الأوروبي الواقع في أقصى شمال المحيط الأطلسي. فقد وجدت المرأة البالغة من العمر 33 عاماً نفسها من بين 315 عاملا تم إقالتهم في مطار ريكافيك الدولي. وعبرت جونارسدوتير التي استطاعت العودة لعملها بدوام جزئي في المطار عن شعورها بالصدمة خاصة في وقت «يبحث فيه عدد كبير من الناس عن عمل».
والانهيار الذي وقع في مارس الماضي لشركة «واو آير» كان له آثار مدمرة على الجزيرة الصغيرة الواقعة في شمال الأطلسي التي قام تعافيها المشهود من الانهيار المالي قبل عقد من الزمن إلى حد كبير على جذب السياح الأجانب. ويرجع الفضل في ذلك في جانب منه إلى توافر مواقع لتصوير مسلسلات تلفزيونية مشهورة مثل مسلسل «لعبة العروش». لكن إفلاس شركة «واو آير» وارتفاع الأسعار والانخفاض بصفة عامة في الطلب نتيجة بطء النمو عالميا يعني أن أحدث الأرقام وخيمة فيما يبدو. وانخفض عدد السياح بنسبة 24% في مايو مقابل الفترة نفسها العام الماضي. وفصل الصيف المهم للغاية يبدو هشا. ولجأ البنك المركزي الآيسلندي الشهر الماضي إلى رافعة طوارئ لتخفيف حدة الصدمة وقلص سعر الفائدة نصف نقطة بينما تعهدت الحكومة بدعم الحوافز إذا لزم الأمر.
وأعلن «مار جودموندسون» محافظ البنك المركزي في مقابلة في دوبروفنيك «إننا مستعدون لاحتمال ركود أعمق والأرقام التي نحصل عليها بشأن توافد السياح توضح فيما يبدو أن هذا قد يحدث». وبعد 20 (ربعاً من النمو المتواصل، في أطول فترة ازدهار في تاريخها الحديث، تحبس آيسلندا أنفاسها أمام هبوط حاد. والتوقعات لعام 2019 تتباين بشكل كبير، فقد توقع بنك «آريون» ركودا بنسبة 1.9% لكن هناك اتفاق عام في الآراء يشير إلى أن البلاد تواجه أسوأ تقلص منذ الأزمة المالية. والبطالة، رغم أنها مازالت منخفضة عن السياق الدولي لكنها ارتفعت إلى 3.6%. وكانت أقل من 3% في بداية العام.
وعلى امتداد عام 2019، يحتمل أن ينخفض عدد السياح 17%، وفقا لتوقعات شركة تشغيل مطار كيفلافيك. وأصحاب الفنادق يشعرون بالفعل بوطأة التقلص حيث انخفض إشغال الغرف بنسبة 5% في أبريل على أساس سنوي وإجمالي عدد الموظفين في القطاعات المتعلقة بالسياحة انخفض بنسبة مشابهة في مايو.
وآيسلندا قادرة على الصمود لتعودها على سنوات من الازدهار والركود. والبلاد في وضع أفضل الآن لمواجهة العاصفة. فقد ملأ عقد من النمو المتين خزائنها بالأموال ولدى البنك المركزي هوامش وافرة تمكنه من تقليص معدل الفائدة المعياري الذي يبلغ حاليا 4%. وأدوات السيطرة على رأس المال التي تم العمل بها عشية الأزمة المالية تمت إزالتها تقريبا الآن.
وذكر جودموندسون «إننا لم نكن مستعدين في تاريخنا بمثل ما نحن الآن للتعامل مع الظروف المعادية. لدينا مساحة سياسية ومجال كبير لنقلص فيه الفائدة عند الضرورة». ومن المقرر أن يعلن البنك المركزي الآيسلندي أحدث قراراته بشأن سعر الفائدة قريبا. والمستثمرون متفائلون إلى حد كبير بأن آيسلندا ستخرج في حال جيدة. فقد باعت البلاد في الآونة الأخيرة سندات مدتها خمس سنوات بقيمة 500 مليون يورور (ما يعادل 565 مليون دولار) في صفقة شهدت إقبالا فاق المعروض بخمس مرات تقريبا. ولم تعلن الحكومة بعد عن أي خطط محددة بشأن قطاع السياحة لكن البرلمان يناقش حاليا إنفاق 1% من فائض الميزانية التي وضعت بالفعل لعام 2019.
لكن التأثير مازال يمكن الشعور به بوضوح في أرض الواقع. فقد اضطر هياكور اينرسون الذي يمتلك فندقا صغيرا به عشر غرف في وسط العاصمة إلى خفض الأسعار بنسبة 30% بسبب انخفاض الطلب. لكن الجيد في الأمر هو انخفاض سعر العملة في الآونة الأخيرة. فبعد صعودها بشدة منذ عام 2015 انخفضت قيمتها بنسبة 20% أمام الدولار. ويرى اينرسون أنه «لو كانت الكورونا بالقوة نفسها التي كانت عليها في الصيف الماضي لكان هذا سيئا للغاية».
*صحفية متخصصة في الشؤون الاقتصادية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»