لدينا الآن سابقة في رفع العقوبات المفروضة على روسيا بسبب قيامها في عام 2014 بضم القرم. ففي يوم الثلاثاء الماضي، سمحت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا لوفد روسي بالعودة بكامل حقوق التصويت، والتي كانت موسكو قد فقدتها في أعقاب عملية الضم. ويمكن للمرء الجدل حول مدى حساسية القرار الأصلي بسحب تلك الحقوق، لكن من الواضح أن إبطال القرار حدث بناء على أسباب خاطئة. وهذا لا يمثل سبباً جيدا للهيئات والبلدان الأخرى التي فرضت عقوبات على روسيا. وعلى الرغم من اسمه الكبير وحقيقة أنه أقدم بكثير من الاتحاد الأوروبي، فإن مجلس أوروبا، والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، وهي هيئته القانونية، ليس مؤسسة دولية قوية بشكل خاص. ولا هو كذلك كيانا لا معنى له تماماً. فالمجلس الذي يتخذ من ستراسبورج مقراً له، والذي أسس عام 1949 لتعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون، يضم 47 دولة عضوا، بينما يضم الاتحاد الأوروبي 28 دولة فقط. وعندما انضمت روسيا عام 1996، كان عليها أن تفرض تعليقا رسميا على عقوبة الإعدام، الأمر الذي ما زالت تتمسك به حتى الآن. كما تضع العضوية الدول تحت ولاية المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان – الملاذ الأخير لقضايا انتهاك الحقوق. وبينما شعرت روسيا مؤخراً بعدم الارتياح تجاه هذا الالتزام، وأكدت على تفوق محاكمها على المحكمة الأوروبية، قامت بسداد 780 مليون روبل (12.4 مليون دولار) للمدعين العام الماضي للوفاء بأحكام المحكمة.
وتجتمع الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، التي تتألف من المشرعين في الدول الأعضاء، في ستراسبورج أربع مرات سنويا لعقد جلسات لمدة أسبوع. وهي لا تتخذ أي قرارات مدوية، لكنها تجمع هؤلاء الذين يصيغون القوانين في الاتحاد الأوروبي والجوار المباشر له. إنها منتدى ونادٍ تعني عضويته قبول الهوية الأوروبية لبلد حتى وإنْ كانت لا تلبي معايير القبول بالاتحاد الأوروبي (أو لا تريد الوفاء بها، مثل روسيا). علاوة على ذلك، فأن تكون دولة جزءا من الجمعية البرلمانية، هذا يمنحها بعض الحقوق المرموقة، مثل الحق في المشاركة في مهام مراقبة الانتخابات.
لذا، عندما صوتت الجمعية البرلمانية لتجريد روسيا من حقوق التصويت، كانت الحكومة الروسية غير مستعدة لتجاهلها. وانسحب الوفد الروسي من الجمعية وبدأت موسكو رسميا تهدد بالتخلي عن عضوية مجلس أوروبا بالكامل، وأن تتجاهل أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. ولكن الأمر الذي كان أكثر تدميرا للجمعية البرلمانية، التي اعتادت على موازنة ضخمة، أن روسيا خفضت مساهماتها المالية الكبيرة، وقامت فقط بسداد ثلث ما كان مستحقا في 2017 ولا شيء بالنسبة لعامي 2018 و2019. وقد شكل هذا، جنبا إلى جنب مع قرار تركيا بالتخلي عن وضعها كمساهم رئيسي، تهديدا ماليا كبيرا.
في العام الماضي، أصدرت الجمعية البرلمانية قرارا ينص على أن مجلس أوروبا «يجب أن يواجه خطرا ماليا متراكما يبلغ 42.65 مليون يورو لأول مرة في تاريخها» بسبب تحركات تركيا وروسيا. وبالنظر إلى حجم الميزانية، ربما يتحمل المجلس تخفيضاً بنسبة 10%. ومع ذلك، فإنني أشك في أن الجماعة التي خصصت 67.2 مليون يورو لهيئاتها الحاكمة في 2019، أن المال كان دافعا مهما للاستسلام للضغط الروسي.
وهذا، بالطبع، ليس السبب الرسمي. فقد دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعية البرلمانية إلى إعادة روسيا من أجل الحفاظ على الحوار، كما أن نشطاء حقوق الإنسان الروس يؤيدون إبقاء روسيا تحت سلطة محكمة حقوق الإنسان. بيد أن التصويت على القرار الذي أعاد لروسيا حقوق التصويت أعقبته مباشرة موافقة على موازنة المجلس الأوروبي للعامين القادمين.
وكان التصويت منقسما على أسس وطنية، حيث أيدت أوروبا الغربية وبعض وفود ما بعد الاتحاد السوفييتي عودة روسيا، بينما صوت الأوروبيون الشرقيون ضد القرار.
إن الدافع المالي الواضح وراء إعادة روسيا يسيء لسمعة مجلس أوروبا، وسيمنع أي نوع من المناقشات الهادفة مع الكرملين.
أما بالنسبة للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فسيتنفس المدافعون عن حقوق الإنسان الروسية الصعداء –لكن من المرجح أن تشعر موسكو بالقدرة على أن تكون انتقائية بشأن الأحكام التي تتبعها.
*كاتب روسي مقيم في برلين
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»