شرفت بالانضمام إلى كوكبة كتاب هذه الصحيفة العريقة، صحيفة «الاتحاد»، ولا يسعني إلا أن أشكر القائمين عليها وأعرب عن اعتزازي بثقتهم، كما أشكرهم على جهودهم في تألق وتميز هذا الصرح الكبير، راجيةً أن يكون لحرفي قبول وفائدة تصب في صالح بلدينا الشقيقين، المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وخليجنا الأبي ومنطقتنا العربية بشكل عام.
لقد عبّرت اللجنة الرباعية التي تضم كلاً من السعودية والإمارات والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، في بيان لها، عن قلقها بشأن التوتر المتصاعد في المنطقة والخطر الذي يشكله النشاط الإيراني في اليمن والمنطقة بأسرها، بما في ذلك الهجمات على ناقلات النفط في الخليج العربي واستهداف أحد أذرع إيران، وهو ذراعها الحوثي في اليمن، مطارَ أبها في المملكة في عملية إرهابية تلتها أخرى مساء الأحد الماضي وبعد البيان المشار إليه مباشرةً.
لم يكن تصريح الرئيس الأميركي بتأجيل الضربة العسكرية على إيران مفاجئاً، فالحرب تقتضي الكر والفر حتى قبل أن تبدأ أحياناً، لاسيما وأن الخصم هو إيران بكل تناقضاتها، وفي منطقة ساخنة ومياه لم تعد دافئة فحسب، بل وصلت حد الغليان بعد عمليات إرهابية سافرة في عرض هذه المياه، أغربها على الإطلاق كان الاستهداف الإيراني لباخرة يابانية، في الوقت الذي لجأت فيه طهران لوساطة اليابان، وكأنها تجسد للعالم كل صور التناقض.
لقد جاء تأجيل الضربة ليفسر تغيراً في التعاطي الأميركي مع الأزمة، قد يكون الضغط الدولي والحصار الاقتصادي جزءاً منه، مع الرغبة في كسب الوقت لحشد موقف أميركي أوروبي موحد تجاه الاتفاق النووي المبرم في عام 2015. وهذا ما تترجمه جهود المبعوث الأميركي الخاص بإيران الذي يستعد لإجراء محادثات مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا حول اتفاق جديد يحل محل الاتفاق النووي الحالي.
وتتكبد إيران -فضلاً عن عملتها المتهاوية بمقدار 60%? مقارنة بالعام الماضي، وارتفاع معدلات التضخم فيها إلى 37% وفق إحصائيات رسمية إيرانية- خسائر نفطية تتجاور 10 مليارات دولار، جراء هبوط صادراتها الخام إلى 300 ألف برميل يومياً، فيما يعاني أكثر من نصف السكان الفقرَ والبطالةَ وانخفاض القدرة الشرائية وغيرها من التداعيات، علاوة على تحذيرات خبراء سياسيين إيرانيين من أن الأزمة تنذر بثورة شعبية لمواجهة الوضع المعيشي المتردي قد تطيح بالنظام الحالي. لكن اللافت وما يجب التركيز عليه هو لغة التهدئة الواضحة في الخطاب الإيراني بعد التلويح الأميركي بحزمة العقوبات، إذ هناك تناقض وتخبط في الخطاب الإيراني وانقسام حول كيفية التعامل مع الأزمة، فبينما تسعى حكومة روحاني للتهدئة والمهادنة وفتح باب الحوار مع أميركا وأوروبا وخفض التوتر.. نجد أن للحرس الثوري الذي يمثله خامنئي خطاباً تصعيدياً لا يعول على أميركا التي يَتوقع في نهاية المطاف وبعد العقوبات وإنهاك البلاد، أن ستشن حرباً حتمية تطيح بالنظام، حسب اعتقادهم، وهو اعتقاد يبدو راسخاً لدى قطاع من النظام الإيراني. فحين يصعّد الحرس الثوري في عز هذه الأزمة المتفاقمة، فهو يؤمن بأن أميركا ستشن حرباً بعد إضعافهم وتقليص قدراتهم وخياراتهم، لذلك فهم يفكرون كالآتي: «لماذا لا نختار نحن الزمان والمكان لهذه الحرب؟ ولماذا لا تكون الحرب (الآن) ونحن بقوتنا؟»، خصوصاً أن جبهتم الداخلية في تراجع وتحتاج إنعاشاً وإحياءً لن يحدث إلا بحرب، مما يؤكد أن التصعيد في كل الأحوال رغبة جامحة عند خامنئي، وبطبيعة الحال فإن صوت الحرس الثوري الذي يمثله خامنئي هو الأقوى، هذا بالإضافة إلى أن إيران تراهن على الانتخابات الأميركية المقبلة، مستغلةً سعي الرئيس ترامب لضمان فوزه دون التورط بحرب قد تطول. فالاستفزازات الإيرانية الحالية ليست إلا لكسب أكثر ما تستطيعه بالحرب أو التفاوض بشأنها من موقع قوة!
وقد يتساءل البعض: هل المراهنة الخليجية على واشنطن فيما يخص إيران في محلها؟!

*كاتبة سعودية