حذّر الرئيس دونالد ترامب نظيره الإيراني حسن روحاني في يوليو الماضي في تغريدة بالأحرف البارزة من أنه إذا هددت إيران الولايات المتحدة مرة أخرى، فإنها «ستعاني من تبعات شديدة لم يشهد مثلها من قبل على مرّ التاريخ سوى القليل». لذا، فإن هجوم إيران يوم الخميس الماضي على طائرة مراقبة من دون ربّان كانت تُحلّق في المجال الجوي الدولي، بحسب القيادة المركزية الأميركية، يجعل من الواضح تماماً أن الإيرانيين لم يأخذوا تحذير ترامب على محمل الجد.
وإسقاط إيران لطائرة «آر كيو – 4 جلوبال هوك»، وهي طائرة مجنحة طولها 131 قدماً وتتجاوز تكلفتها أكثر من 100 مليون دولار، هو ثالث اعتداء ضد طائرة عسكرية أميركية في أسبوعين، حسبما أكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون). وأعقب إسقاط طائرة استطلاع أميركية أخرى من دون طيار بنيران المتمردين «الحوثيين» المدعومين إيرانياً في السادس من يونيو في اليمن، وهجوم فاشل من قبل الجيش الإيراني على طائرة أميركية من دون طيار تحلق فوق خليج عُمان في الثالث عشر من يونيو.
وتلك الهجمات المباشرة على الطائرات العسكرية الأميركية صاحبتها هجمات صاروخية على قواعد عسكرية أميركية في العراق، وضربات صاروخية على المملكة العربية السعودية وهجمات حربية باستخدام ألغام على ناقلات نفط تمر عبر مضيق هرمز. وكلها من أعمال إيران أو المسلحين المدعومين إيرانياً.
ولكي ينجح أي ردع، لابد أن يصدق الخصم أن خططه الهجومية ستفشل أو أنه سيواجه عقوبة غير مقبولة بعد أي هجوم. لكن على الرغم من ذلك، لم ترد إدارة ترامب على تلك الهجمات حتى الآن.
وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، وافق ترامب على ضربة عسكرية انتقامية محدودة يوم الخميس الماضي ضد محطات رادار وبطاريات صواريخ إيرانية، ليعود ويوقفها بعد أن حلّقت الطائرات في الجو. وهذا من شأنه جعل الإيرانيين أكثر جرأة.
ولنأخذ على سبيل المثال رد الرئيس رونالد ريجان المختلف تماماً على الهجمات الإيرانية على ناقلات النفط الكويتية والسفن الدولية أثناء ما عرف بـ«حرب الناقلات» في عامي 1987 و1988. فبعد سلسلة من الهجمات على السفن الأميركية والدولية، رفعت إدارة ريجان الأعلام الأميركية على الناقلات الكويتية، وزودتها بحماية قوات البحرية الأميركية، وشنت عدداً من الضربات العسكرية على السفن البحرية الإيرانية وقواعد عسكرية ومنصات نفطية بحرية في إيران.
وعانت الولايات المتحدة من خسائر كبيرة أثناء صراع محدود. وأثناء بعثة الحماية الأولى في عام 1987، تعرّضت حاملة النفط «إم في بريدجيتون»، التي كانت ترفع علماً أميركياً، إلى هجوم لغم، واضطرت إلى العودة إلى الميناء. ووصف رئيس الوزراء الإيراني «مير حسين موسوي» الهجوم بأنه «ضربة للهيبة العسكرية والسياسية الأميركية لا يمكن إصلاحها».
وبعد شهرين لاحقين، أطلقت طائرة قتالية عراقية من طراز «ميراج إف -1» النيران بطريق الخطأ على فرقاطة «يو. إس. إس. ستارك» الأميركية التي تحمل صواريخ موجهة، فقتلت 37 بحاراً وأصابت 21 آخرين. غير أن خسائر إيران كانت أكبر بكثير، وفي نهاية المطاف، وافقت طهران على وقف هجماتها على السفن الدولية، بعد أن أغرقت القوات الخاصة الأميركية أربعة سفن إيرانية متخصصة في زرع الألغام، وألقت القبض على طواقمها، وقدمت أدلة موثقة على تورط إيران في الهجمات على السفن الدولية، ودمرت عدداً من المنصات النفطية البحرية الإيرانية. وهاجمت قوات البحرية الأميركية عدداً من قواعد فيالق الحرس الثوري الإيراني وأغرقت فرقاطتين تابعتين للبحرية الإيرانية.
ومثلما حدث في 1987 و1988، لا يمكن أن تمر الهجمات الإيرانية الأخيرة على الطائرة العسكرية الأميركية والسفن الدولية من دون ردّ. وعلى الولايات المتحدة أن تضمن قدرتها على العمل فوق الأجواء اليمنية، (حيث لا يزال تنظيم القاعدة يحيك المؤامرات ضد واشنطن والمصالح الأميركية في أرجاء العالم) وفي الأجواء الدولية والمسارات البحرية. وعلى الإدارة الأميركية أن تضمن حرية تدفق البضائع عبر مضيق هرمز، الذي تمر عبره ثلث شحنات النفط العالمية.
وإسقاط الطائرة الأميركية من دون طيار يوم الخميس الماضي لم يكن حادثة عارضة أو نتيجة عمل فردي، فقد أطلق الإيرانيون صاروخاً على طائرة أميركية أخرى من دون طيار قبل أسبوع لكنه أخطأها. ولم يقر مسؤولون إيرانيون بارزون بالهجوم الناجح على «جلوبال هوك» فحسب وإنما احتفوا به أيضاً.
وعلاوة على ذلك، فإن إسقاط طائرة من دون طيار هو عدوان مثل إسقاط طائرة تقليدية يقودها طيار. فمع التقدم التكنولوجي الكبير، تحول كثير من الهياكل العسكرية إلى أنظمة بلا ربان، سواء في الفضاء أو الجو أو على الأرض أو تحت البحر، وتجب حمايتها والدفاع عنها.
وعلى إدارة ترامب أن ترد على الهجمات الأخيرة بضربات على أصول الدفاع الجوي الإيرانية و«الحوثية» وأنظمة الصواريخ الدفاعية وقواعد فيالق الحرس الثوري الإيراني. والمطلوب هو رد محسوب وحاسم في الوقت ذاته. ولابد لهذا الرد أن يكبد الإيرانيين خسائر كافية لجعلهم يفكرون مرتين قبل تنفيذ أي هجوم آخر.
مايكل فيكرز
* مساعد سابق لوزير الدفاع الأميركي للعمليات الخاصة
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»