رغم أن مشهد الموت فيه من الجلال وحالة الضعف الإنساني ما يجعله بعيداً عن التوظيف السياسي، فإن جماعة الإخوان المتأسلمين لا يتحلون بالصفات الطبيعية للبشر ولا يحترمون المواقف الإنسانية. فبعد وفاة رفيقهم المدعو محمد مرسي لم يتورعوا عن توظيف وفاته واستغلالها سياسياً، في محاولة بائسة للمتاجرة بالموتى، وتسجيل حضور مشوه، خاصة بعد اندثار التنظيم، وانقسامه إلى فصائل إرهابية، وانغماس بقايا قادته الهاربين في الفشل وصناعة الأوهام، وتقاسم الأموال والتنازع بشأن حق إصدار البيانات وإدارة خلايا التنظيم، سواء التي تتبنى خيار العنف، أو الخلايا النائمة التي ترى فقط أن الوقت لم يحن بعد لممارسة الإرهاب.
هكذا أصبح حال «الإخوان» والمآل النهائي الأكثر وضوحاً وتعبيراً عن حقيقتهم، بعد الانقسام إلى مجموعتين: الأولى تسعى لتهديد أمن مصر من الداخل، لكنها تواجه بالحزم وبوحدة المصريين، والثانية تتربص وتنتظر دورها. ويمكن تلخيص مسيرة جماعة «الإخوان» الإرهابية باعتبارها محطات متتالية من الفشل وتبجيل أبطال من الورق. ويتأكد هذا التوصيف المختصر بعد متابعة سلوك الجماعة عقب وفاة القيادي البسيط والهامشي فيها محمد مرسي، حيث عادت أبواق «الإخوان» إلى الحديث عن أوهامها في محاولة لصناعة شهيد للجماعة. رغم أن مرسي لم يكن من قيادات الصف الأول، بل كان أحد الأسماء المغمورة، وسط مجموعة من المستفيدين الذين كانوا يقفون في الظل، ويعملون على نشر الأخونة، لجني المكاسب عبر المتاجرة بالدين والتنظيم، وأبرزهم المدعو خيرت الشاطر، برجوازي الجماعة وتاجرها المتطلع بشغف إلى الخلافة الإخوانية. لكن تاريخه السيئ وملفه كسجين سابق لم يسمحا له آنذاك بالترشح للرئاسة، أثناء سيطرة «الإخوان» على المشهد. فتم تقديم مرسي كبديل، لأنه كان من ذلك الصنف الذي يسهل التحكم به. وتم استخدامه كواجهة لممارسة السلطة من قبل مكتب الإرشاد، فظهر في دور التابع الضعيف، ما جعل منصب رئاسة مصر في تلك المرحلة العجيبة أقل وأدنى من منصب مرشد «الإخوان»!
ورغم طول تجربتهم زمنياً، فإننا لا نجد في تاريخ «الإخوان» عموماً أسماءَ لامعةً في الفكر والسياسة، وحتى في الوعظ الديني، رغم تمسحهم بالدين وتسلقهم باسمه، لكن لا تجد بين صفوفهم مَن يمكنه إقناع الجمهور بخطاب ديني مستنير أو بفصاحة وعلم غزير، لأن الشرط الوحيد لعضويتهم هو الجهل والتبعية والطاعة العمياء، وهذا حال أعضائهم ورموزهم.
ورغم تواضع شخصيته وموقعه في التنظيم، فإن «الإخوان» يعملون بدفع من أدوات إعلامية تركية وقطرية على تحويل مرسي إلى رمز، كما فعلوا مع سيد قطب الذي لم يشتهر إلا بعد إعدامه في عهد عبدالناصر.
وأثناء تباكي «الإخوان» على مرسي، وصل بهم النفاق إلى رفعه إلى مرتبة الأنبياء، كما فعلت الإخوانية «توكل كرمان» وتبعها آخرون، من خلال الاستشهاد بمقاطع من قصيدة نزار قباني التي قالها في رثاء عبدالناصر: «قتلناك يا آخر الأنبياء». آنذاك قام «الإخوان» بتكفير نزار بسبب هذا التشبيه، وهناك مَن ينتظر أن تظهر غيرتهم الدينية ويتساءل: هل سيكفرون من استخدم القصيدة ذاتها لرثاء مرسي، أم أن المجاز اللغوي في الشعر حلال لهم حرام على غيرهم؟
اعتبر «الإخوان» وفاة مرسي فرصة للظهور من جديد، لكنهم كشفوا عن الانتهازية التي تأسس تنظيمهم عليها، بما في ذلك استثمار واستغلال الموتى، رغم أن مرسي كان مجرد بديل مؤقت لخدمة «الإخوان» وتنفيذ تعاليم مكتب إرشادهم. ثم انتهت القصة برفض الشعب المصري للأخونة ولحماقات «الإخوان» وتسلطهم.
الاستنتاج الذي نخرج به من تأمل الكيفية التي أدار بها «الإخوان» واقعة وفاة مرسي، هو أن التنظيم يكشف عن حالة الضعف الشديد التي يمر بها، حيث لم يعد أمامه سوى استثمار الأحداث إعلامياً. بل إن الضعف كان ولا يزال جزءاً من تكوين «الإخوان». فهم دائماً يبحثون عن جذور تاريخية لتبرير وجودهم السياسي، وقد ربطوا بين تنظيمهم وبين آخر سلاطين الدولة العثمانية، باعتبار أن مشروعهم المعلن هو استعادة الخلافة. وظلوا يسعون لتأصيل حضورهم في المشهد من دون جدوى. لأن المجتمعات ترفضهم ولا تقبل استغلالهم للدين.
*كاتب إماراتي