يبدو أن الرئيس دونالد ترامب يتبنى النهج الانعزالي. وتماشياً مع هذا النهج، يفضل ترامب التحرك من طرف واحد على التحالفات التي تستوجب التزامات ومسؤوليات. والتناقض هنا، بالطبع، هو أن كل من يدعي عدم اهتمامه بالمرة بالقيام بدور شرطي العالم، يحتاج إلى حلفاء.
وهذا على أوضح ما يكون في تصعيد التوترات مع إيران. فإيران تمارس نسختها من «أقصى ضغط» على الولايات المتحدة ومصالحها في الشرق الأوسط. واستخدمت إيران في هذا وكلاءها وعمليات تخريب يمكن إنكارها تهاجم فيها ناقلات نفط ومحطات ضخه، بل وموانئ في المملكة العربية السعودية، وإطلاق صواريخ على منشأة نفطية تستخدمها شركة «إيكسون موبيل» في قواعد توجد بها قوات أميركية وبالقرب من السفارة الأميركية في بغداد. وهذا يحدث في وقت تشير فيه إيران إلى أنها ستقلص تدريجياً التزامها بقيود الاتفاق النووي. وحتى الآن، وأمام التحركات الإيرانية ضد حملة الضغوط الأميركية، ليس لدى إدارة ترامب فيما يبدو إلا القليل من الردود فيما عدا الإعلان الذي جاء على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو بأن الولايات المتحدة ستواصل اتباع نهجها الدبلوماسي والاقتصادي.
والجدير بالذكر أن بومبيو لم يشر إلى أي رد فعل عسكري على تحركات إيران. صحيح أننا نقلنا عدداً قليلاً نسبياً من القوات إلى المنطقة، لكن كي نتصدى لإيران ونردع الهجمات غير المباشرة والمستمرة والتي تنكر إيران ضلوعها فيها، تحتاج الإدارة إلى مشاركة آخرين. وكحد أدنى، فحين يعترف آخرون أيضا بأن إيران ضالعة في الهجمات سيتغير كل شيء. وبمجرد أن تفقد إيران قدرتها على إنكار الضلوع في الهجمات، فستواجه احتمال التعرض لردود فعل جماعية إذا واصلت تنفيذ مثل هذه الهجمات.
وتركيز الأضواء على التحركات الإيرانية يمكنه تعزيز الردع ضد الإيرانيين ويجعل الآخرين مساهمين في المسؤولية. والمؤسف أن حلفاءنا التقليديين يتلكؤون في قبول اتهامات الإدارة بأن الإيرانيين نفذوا هجمات في الآونة الأخيرة على ناقلتي نفط. صحيح أن بومبيو محق بالتأكيد في أنه لا أحد آخر- وبالتأكيد ليس أي من القوى التي تعمل بالوكالة عن إيران- لديها الوسائل التي تمكنها من إلصاق ألغام بهيكل السفينتين. لكن بعد أن وبخت إدارة ترامب الحلفاء، فلن يسارع هؤلاء الحلفاء بالاستجابة لها حين تحتاجهم. لكن هناك بالتأكيد أسباب أخرى لتلكؤ حلفائنا في أوروبا وآسيا عن دعم نهج إدارة ترامب تجاه إيران.
معظم حلفائنا يعتقدون أنه ابتداء من الانسحاب من «خطة العمل الشاملة المشتركة» (الاتفاق النووي الإيراني) ثم حملة الضغط الأقصى، تبنت إدارة ترامب نهج الاستفزاز، وكان يجب أن تعلم أن سياساتها ستتمخض عن رد فعل إيراني. ويخشى حلفاؤنا أن دعم الاتهامات الأميركية قد يفاقم احتمالات تصعيد الإدارة الأميركية الموقف مع إيران والاشتباك في حرب معها.
ورغم أن ترامب أعلن أنه لا يريد حرباً، فإن حلفاءنا ليسوا مقتنعين بأن هذا هو الموقف الحقيقي للإدارة. وحتى لو كان الموقف الحقيقي للإدارة، فإنهم يرون احتمال تحركات انتقامية متبادلة قد يتصاعد بسهولة ويتمخض عن صراع ناتج عن سوء تقدير.
لكن هذا قد يصب في مصلحة ترامب. فربما تستطيع الإدارة استغلال الخوف من أنها قد تثير حرباً، كورقة ضغط على الأوروبيين وآخرين، لجعل الرد على الإيرانيين دولياً. وعلى سبيل المثال، ففي مقابل اعتراف حلفائنا وآخرين بمسؤولية الإيرانيين عن أفعال التخريب ضد السفن والموافقة على صيغة من المسعى البحري الدولي لحماية ناقلات النفط، قد تحجم واشنطن عن ردود الفعل من جانب واحد ضد الإيرانيين. والجمع بين تحدي إيران علناً وتشكيل ائتلاف من الدول لتأمين إمدادات النفط يمثل نهجاً يردع الإيرانيين في جانب ويقيد بالضرورة التحركات الأميركية.
واستغلال الخوف من تصرف الولايات المتحدة من جانب واحد قد يؤدي إلى ضرورة الاعتراف بحقيقة، مفادها أنه نظراً للحجم الكبير لحركة الشحن عبر الخليج العربي التي تبلغ 17.5 مليون برميل في اليوم، فمن الصعب على الولايات المتحدة وحدها حماية كل السفن التي قد تحتاج مثل هذه الحماية. لكن قوة مهام متعددة الجنسيات تتقاسم المسؤولية ستكون أكثر جدوى وتقدم تغطية ومراقبة أكبر.
ومع الأخذ في الاعتبار أن 80% من النفط المنقول عبر الخليج يذهب إلى آسيا- الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية- فهذه الدول لديها مصلحة في حماية إمدادات النفط. وخاصة في وقت تتصاعد فيه التوترات في العلاقة الأميركية الصينية. ويمكن للبلدين العمل سوياً في مجال حماية إمدادات النفط هذه. وقد يكون لمشاركة الصين تأثير قوي على الإيرانيين. وربما لا يقدر ترامب التحالفات والحلفاء حق قدرهم، لكنه يريد منع إيران مما تقوم به من أعمال تخريب دون خوض حرب. والآن قد يكون وقتاً مناسباً ليصبح ترامب أقل تحريضاً على الحرب، وأقل اعتماداً على التحرك من جانب واحد، ويعمل مع حلفائنا وآخرين لهم مصالح في حرية تدفق النفط.
*المبعوث الأميركي السابق للسلام في الشرق الأوسط ومستشار وزميل بارز في معهد واشنطن.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»