كشف تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» أن «القيادة السيبرانية الأميركية» كثّفت جهودها السرّية الرامية إلى قرصنة شبكة الطاقة الروسية. ومحتوى التقرير في حدّ ذاته أقل إثارة للاهتمام من سبب التعاون الواضح من قبل المسؤولين الأميركيين في الإعلان عن مثل هذه الأنشطة. فمثل أي شبكة طاقة تخضع لتحوّل رقمي، تعتبر الشبكة الروسية قابلة للقرصنة، لكن ما السبب الذي يجعل الولايات المتحدة راغبة في مناقشة الأمر علانية؟
ويتحدث تقرير «نيويورك تايمز» عن زرع برامج داخل الشبكات الإلكترونية الخاصة بإدارة شبكة الطاقة الروسية يمكن تفعيلها في حالة اندلاع صراع كبير. وعلى رغم من أن الروس يتفادون الحديث عن أي تفاصيل، إلا أنهم يعرفون أكثر من أطراف أخرى كثيرة مدى ضعف شبكات الطاقة أمام أي هجوم.
فقد أدارت شركة «كاسبرسكي» الروسية المتخصصة في الأمن الإلكتروني، مسابقات قرصنة شبكات الطاقة منذ سنوات. وفي عام 2016، وصفت مجموعة قرصنة من مدينة «يكاتيرينبرج» الروسية في منشور على مدونتها كيف فازت بنقاط في منافسة للاستحواذ على محطة طاقة فرعية وتسببت في انقطاع للكهرباء لفترة قصيرة من خط نقل للطاقة، من دون أي معرفة مسبقة بنظام التصنيع أو حتى فهم عام بشأن عمل محطات الطاقة الفرعية.
وحدد الباحثون الروس عدداً من نقاط الضعف فيما يعرف بـ«أجهزة الشبكات الذكية»، التي تحلل باستمرار البيانات وتساعد في إدارة الأنظمة بمرونة وفاعلية. وكثير من الشبكات الكهربائية يسهل الوصول إليها عبر الإنترنت. وقد أظهر الهجوم الناجح نسبياً، على 27 محطة فرعية في أوكرانيا أدى إلى تعطيلها في عام 2015، أن الأساليب الوقائية مثل إرسال رسائل خداع إلكتروني إلى الموظفين في شركات الطاقة الإقليمية يمكن أن تكون فعّالة في إدخال القراصنة الإلكترونيين إلى أجزاء من شبكات الطاقة المحلية.
والشبكة الروسية معرضة للخطر بصورة خاصة لعدد من الأسباب، أولها: أنها ضخمة جداً. فشركة شبكات الطاقة الروسية تدير 2.35 مليون كيلومتر من خطوط النقل الكهربائي و507 آلاف محطة طاقة فرعية. ثانياً: أنها في خضم عملية تحول رقمي طموحة.
وتهدف خطة رقمنة شركة الطاقة المملوكة للدولة الروسية، والتي تبنتها الحكومة العام الماضي، إلى تحقيق تخفيضات كبيرة في خسائر نقل الكهرباء وفترات التعطل بحلول عام 2030. وتتحدث الخطة عن إنشاء وحدة أمن إلكتروني، لكن هذا العمل لا يزال قيد الإجراء. ومثلما أشار زميلي «ديفيد فيكلينج»، سيؤدي تحويل شبكة الكهرباء لـ«ذكية» إلى إيجاد أساليب جديدة للهجمات، ومن الممكن أن تكون الأنظمة التكنولوجية التي تعمل للمرة الأولى فوضوية وتزيد من المخاطر. وفي الحالة الروسية، تتفاقم المشكلة بسبب المنشأ الغربي لثلاثة أرباع المعدات ومعظم البرامج الإلكترونية. فإذا زرعت المخابرات الأميركية برامجها قبل أو أثناء توريد الأجهزة، فليست ثمة ضمانة أنه من الممكن اكتشافها.
وبعبارة أخرى، سيكون تأمين الشبكة الروسية مهمة عملاقة حتى مع الخبرة الروسية الفائقة عندما يتعلق الأمر باكتشاف نقاط الضعف واستغلالها المحتمل. والهجمات الإلكترونية الأميركية محتملة بصورة مؤكدة. لكن حجم التعطيل الذي يمكن أن تسببه للشبكة هو أمر آخر.
وسيكون من السذاجة بمكان أن نعتقد أن الحكومة الروسية لم تقلق بشأن الهجمات السيبرانية الأميركية على بنية تحتية محورية في الدولة. لذا، يبدو أن رد الفعل الحاد من قبل الرئيس ترامب على تقرير «نيويورك تايمز» مبالغ فيه، إذ وصف في تغريدة له على موقع «تويتر» نشره بأنه «خيانة حقيقية». بيد أن الكاشف بصورة أكبر هو رد الصحيفة، حيث قالت: «إنها وصفت التقرير للحكومة قبل نشره ولم تتلق أي اعتراضات».
وأثار ذلك التساؤل بشأن الغرض الذي سعى له المسؤولون الحكوميون الذين تحدثوا إلى الصحيفة، وأولئك الذين سمحوا بالنشر. ونظريتي أنهم أرادوا توجيه رسالة إلى الكرملين، لكن ليست زيادة القيادة السيبرانية أنشطتها الهجومية على شبكة الطاقة الروسية، لأن القيادة السياسية الروسية ومسؤولي الاستخبارات والأمن السيبراني على علم بتلك الجهود بالفعل. وإنما كانت الرسالة بشأن إجراءات الموافقة على الجهود الهجومية، ذلك أن الصحيفة أكدت أن الهجمات جرت في ظل تشريع جديد مرره الكونجرس الصيف الماضي يسمح لوزارة الدفاع بإجازة «أنشطة عسكرية سرّية» في الفضاء السيبراني من دون الحاجة إلى موافقة الرئيس.
*كاتب روسي مقيم في برلين
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»