للعام الثاني على التوالي، اقترحت إدارة الرئيس ترامب تقليصاً في ميزانية وزارة الزراعة، واتخذت خطوات أخرى تعرقل عمل الوكالات داخل الوزارة، وتمنعها من تقديم البيانات والبحوث المطلوبة، لتزويد سياسة الزراعة والأغذية بالمعلومات الضرورية. وسواء أكانت تحركات وزارة الزراعة نابعة عن نوايا مبيتة أم من جهل، فالنتيجة واحدة، وهي أن صناع السياسة في الكونجرس ومزارعي أميركا سيفتقرون إلى صوت العلم المطلوب لاتخاذ قرارات بشأن أفضل طريقة لتوفير الغذاء للأمة، وتحسين اقتصاد الريف، وتعزيز الصادرات الزراعية الأميركية.
وباعتبارنا عالمين كبيرين سابقين في وزارة الزراعة في الإدارتين السابقتين، نشعر بقلق عميق من الضرر الذي يلحق بالنزاهة العلمية في الوزارة. ولن نتكهن بشأن حوافز قيادات إدارة ترامب في وزارة الزراعة الأميركية، لكن يمكننا القول إن المقترحات التي لم تأتِ إلا بعد دراسات وتحليلات موضوعية أنتجها اقتصاديون وعلماء في جهاز البحث الاقتصادي بوزارة الزراعة، تعارضت مع سياسات إدارة ترامب.
فمثلاً، جاء في تحليل الخبراء بجهاز البحث الاقتصادي، حول تأثير قانون تقليص الضرائب والوظائف، الصادر في ديسمبر 2017، أن «أسر المزارعين، الذين تقع دخولهم بين نسبة العشرين والثمانين بالمئة من سكان البلاد، شهدوا تقلصاً متواضعاً في معدل الضريبة الفعلي المفروض على دخولهم، بينما نسبة العشرة في المئة العليا من الدخول ونسبة الواحد في المئة التي في القمة، شهدوا أكبر انخفاض في معدلات الضريبة على دخولهم». ومحاولة تقليص التمويل لجهاز البحث الاقتصادي تقدم بعض النقاط الكاشفة، بشأن نوع البحث الذي تكرهه إدارة ترامب فيما يبدو. فقد أشارت الميزانية إلى تقليص البحث في مساعدات الغذاء والتغذية وسلامة الغذاء وتحليل المزارع والحفاظ على البيئة وسياسة التجارة. والأرقام لا تكذب، لكن المرء قد يحاول حجبها عن الكونجرس والجمهور مما يقوضها بما يكفي لجعلها تختفي تماماً.
ويتبنى وزير الزراعة، سوني بيردو، نهجاً متعدد الشعب فيما يبدو، كمحاولة لتفكيك العلم الذي دعم قرارات السياسة. ففي البداية، حاول اتباع النهج المباشر، وذلك ببساطة عبر تقليص ميزانية جهاز البحث الاقتصادي. وهذا النهج فشل العام الماضي، حين أعاد الكونجرس التمويل. والإدارة تحاول مرة أخرى مع ميزانية عام 2020، مقترحةً تقليص 42 مليار دولار، أي نحو 50% من تمويل برامج جهاز البحث الاقتصادي، وتقليص عدد الموظفين بدوام كامل إلى 160 بدلاً من 331.
ثم سعت وزارة الزراعة، بقيادة بيردو، إلى الدفع بسياسة، تتطلب من كل بحث منشور من الوزارة أن يوصف بأنه «مبدئي». وحين ينشر علماء واقتصاديون أبحاثهم في دوريات علمية، فهذا لا يتم إلا بعد عملية تمحيص حيوية ومراجعة للأبحاث النظيرة. والوصف «مبدئي» هدفه تقويض البحث وتوجيه ضربة لصناعة السياسة القائمة على الأدلة العلمية.
وأخيراً، وفي وقت متأخر من الصيف الماضي، أصاب بيردو كثيراً من الباحثين في الأغذية والزراعة بالصدمة بقراره، نقل جهاز البحث الاقتصادي والمعهد القومي للأغذية والزراعة خارج واشنطن. وقد تخلت وزارة الزراعة عن الإجراءات المعتادة في نقل المقر، مثل القيام ببحث عبر إدارة الخدمات العامة للحكومة. وعلم موظفون، في وقت مبكر من العام الجاري، أنه بعد أن اختارت الوزارة موقعاً لنقل المقر، أن أمامهم 120 يوماً للانتقال أو ترك العمل. وكثير من الباحثين الاقتصاديين الذين تضرروا من عملية نقل المقر وجدوا وظائف جديدة في وكالات أخرى في المنطقة، ما خلق نوعاً من استنزاف العقول تريده الإدارة فيما يبدو، بتقليصها المقترح للميزانية. واقترح بيردو أيضاً نقل الإشراف على جهاز البحث الاقتصادي إلى كبير الاقتصاديين في مكتبه. ونحن نعارض هذا الإجراء، لأنه سيجعل الوحدة عرضة للضغط السياسي.
والجهاز ينقل تقاريره إلى كبير العلماء، وهو منصب ما زال شاغراً منذ نوفمبر 2017. وعلى الكونجرس أن يطالب الإدارة بالتقدم في أقرب فرصة ممكنة بمرِشح جديد لمنصب كبير العلماء، يكون مستقلاً، ويمكنه الحصول على تأييد سريع وواسع من الحزبين.
وتواجه الأغذية والزراعة في الولايات المتحدة تحديات دائمة من مصادر متعددة، مثل المبيدات والأمراض والجفاف والفيضانات وتنافسية الأسواق والنزاعات التجارية. ومن المحبط أن يرى المرء أن العلم الذي يدعم هذه القطاعات الحيوية المشاركة في الاقتصاد الأميركي، وفي صحة وسلامة الأميركيين، يتعرض لتهديد من الوزارة التي تشرف على هذه القطاعات.
جيل بوكانان وكاثرين وتيكي:عالمان سابقان في وزارة الزراعة الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»