تتوقع شركة «ديليك دربلينج» الإسرائيلية، بالتنسيق مع شركة «نوبل إنرجي» الأميركية، البدء بإمداد الغاز الطبيعي إلى مصر، قبل نهاية الشهر الحالي، تنفيذاً للاتفاق الموقع مع شركة «دولفينوس هولدينج» المصرية، في فبراير 2018، والذي ينص على صفقة ب 15 مليار دولار، تشمل 64 مليار متر مكعب، على مدى عشر سنوات، وذلك من حقلي «لفيتان» و«تامار» الإسرائيليين. وعلى رغم أن الاتفاق تم بين شركات تجارية، لكن من الواضح أنه لم يكن في الإمكان عقده من دون موافقة الحكومات المعنية، مع العلم أن مجلس النواب المصري أقر في يوليو 2017 مشروع قانون يسمح لشركات القطاع الخاص باستيراد الغاز الطبيعي وتسويقه.
سبق لمصر أن صدّرت الغاز إلى إسرائيل، عبر خط أنابيب تم تشييده تحت البحر من العريش إلى عسقلان، ولكنها أوقفت التصدير، بعد أحداث يناير 2011، واضطرت إلى التحول إلى الاستيراد، بعدما عانت انقطاعات مستمرة في الكهرباء، التي تعتمد بنحو 85 في المئة على الغاز، ولجأت إلى تعويض النقص بالشراء من السوق الفورية، حتى بدأ الوضع يتغير مع اكتشاف حقل «ظهر» الذي أنقذ البلاد مرحلياً من عجز الطاقة، مع بقاء المشكلة التي تتمثل بارتفاع عدد السكان، الذي يزيد استهلاك الغاز 5 في المئة سنوياً، بما يؤكد أن مصر تحتاج إلى اكتشافات ضخمة باستمرار، لضمان الاكتفاء الذاتي. وهكذا سيستعمل خط الأنابيب نفسه هذه المرة معكوساً بمرور الغاز الإسرائيلي إلى مصر، ونظراً لأهميته، اتفق شركاء مصريون وإسرائيليون على شراء 39 في المئة من أسهم شركة غاز المتوسط، المالكة لهذا الخط بمبلغ يزيد على نصف مليار دولار.
إضافةً إلى تلبية الاستهلاك المحلي ووقف الاستيراد، فإن الهدف الثاني الذي تحاول مصر تحقيقه، يكمن في البعد الاستراتيجي بتحويلها دولة محورية لصناعة الغاز في شرق المتوسط، من خلال الاستيراد من دول مجاورة، وإعادة تصديره من منشآت التسييل في مرفأي الغاز المسال في «إدكو» و«دمياط»، وهما المنشأتان الوحيدتان من هذا النوع في المنطقة. ونظراً لأهمية هذا المشروع، تطمح الشركتان الإسرائيلية والأميركية، لشراء حصص في المرفأين، أملاً في مشاركة مصر في أهم مركز طاقة إقليمي، يصل إلى مصاف مراكز الطاقة العالمية.
لقد استطاعت إسرائيل أن تسبق جيرانها في تطوير صناعتها في مجال الغاز الطبيعي، ولكن هذه الصناعة تعثرت منذ بداية عام 2015، نتيجة خلافات داخلية حول مكافحة الاحتكار.
أما الأهمية الإستراتيجية لهذا التعاون، فإن الولايات المتحدة ترى أن تصدير الغاز يدعم معاهدات السلام مع الدول العربية، بإضافة عنصر جديد إلى عملية التطبيع العربية الإسرائيلية التي تريدها واشنطن حالياً، ولكن الخطورة تكمن أنه في الوقت نفسه تُقدمُ إسرائيل على قضم أراض فلسطينية جديدة، وتُشرع قوانين الفصل العنصري، وتشييد المستعمرات والمستوطنات في الضفة الغربية، وتعترف لها الولايات المتحدة بضم الجولان السورية، وجعل القدس عاصمة للدولة اليهودية. كل هذه التطورات تتنافى مع أهداف التطبيع الاقتصادي، ما قد يؤدي إلى عرقلة المشاريع، وربما نسفها، خصوصاً أن الجميع يترقب خطورة نتائج وتداعيات «صفقة القرن»، التي تدعمها الحكومة الأميركية، وتلقى الرفض الكامل من الفلسطينيين والعرب جميعاً.
*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية