أن تكون رئيساً للوزراء في بريطانيا مهمة تعني الآن أن تنهض بمسؤولية جسيمة وثقيلة، ولا تتوقع شكراً أو تقديراً من أحد. وما عليك إلا أن تسأل «تيريزا ماي»، التي ستغادر مقر رئاسة الحكومة في «10 دوانينج ستريت» قريباً. فقد أمضت «ماي» عامين وهي تحاول إعداد وصفة ناجحة للطريقة التي ينبغي لبريطانيا أن تخرج بها من الاتحاد الأوروبي، ولكن وصفاتها لصفقة «بريكست» منيت بالهزيمة ثلاث مرات في البرلمان – امتنع خلالها كثيرون داخل حزبها عن دعمها.
«ماي» أعلنت عن استقالتها كزعيمة لحزب «المحافظين» يوم الجمعة الماضي، وستبقى في منصبها كرئيسة للوزراء إلى حين اختيار حزبها خلفا لها. غير أنه من غير الواضح إن كانت لدى أي من المرشحين خطة حقيقية للتعاطي مع أزمة «بريكست» التي تتخبط فيها بريطانيا، بل إنه يمكن القول إن بعض المرشحين قد يفاقمون حالة الفوضى، بدلا من أن يعملوا على تخفيفها.
أسماء المرشحين العشرة أُفرج عنها يوم الاثنين الماضي. وبعض هؤلاء، مثل بوريس جونسون، يُعتبرون شخصيات مألوفة في التجاذبات السياسية المتعلقة ببريكست. ويشتهر «جونسون» الذي كان عمدة للندن ووزيراً للخارجية، من بين أشياء أخرى، بخوضه في بعض قضايا مثل ارتداء النساء البرقع والنقاب. ويُعد «جونسون» الآن المرشح الأوفر حظاً للفوز. أكثر المرشحين منافسة لجونسون لديهم رصيد أقل من الزلات. فهناك «جيريمي هانت»، وزير الخارجية الذي قال للمسؤولين الصينيين خطأ إن زوجته صينية المولد يابانية، و«أندريا ليدسم»، زعيمة مجلس العموم السابقة التي انسحبت من سباق الزعامة في 2016 بعد أن ألمحت إلى أن لديها مصلحة أكبر في مستقبل بريطانيا لأنها أم.
وزير البيئة «مايكل غوف» لديه أكثر من مسؤولية ينبغي له التعامل معها. فصوره وهو يشرب كؤوساً من الماء انتشرت بشكل فيروسي منذ سنوات، وهو الآن يتعاطى مع تداعيات اعترافه باستهلاك الكوكايين في عدد من المرات من قبل. هذا بينما ذهب مرشح آخر، عضو البرلمان والجندي السابق «روري ستيوارت»، إلى أبعد من ذلك، حيث عبّر عن ندمه لأنه دخّن الأفيون حين كان في إيران.
أما المرشحون الآخرون، فهم وزير الداخلية «ساجد جاويد»، ووزير «بريكست» السابق «دومينيك راب»، ووزير الصحة «مات هانكوك»، وعضو البرلمان مارك هاربر و«إيستر ماكفي».
وبالنظر إلى هذه المجموعة الواسعة من المرشحين والوقت الكافي لخوض الحملة الانتخابية، فقد يتوقع المرء بعض الأفكار الجديدة بخصوص «بريكست»، فكل المرشحين يشددون على أنهم يرغبون في «بريكست»، وإنْ كانت ثمة بالطبع انقسامات واختلافات بخصوص كيفية تعهدهم بإنجاز أكبر مهمة تواجه بريطانيا اليوم، ولا شيء من أفكارهم ملهم بشكل خاص.
«ماكفي»، المقدمة التلفزيونية السابقة التي تحولت إلى سياسية، تفضل أقسى أشكال «بريكست» على الإطلاق، وفق صحيفة «ذا جارديان». ذلك أنها تريد الانسحاب من أوروبا من دون اتفاق، ما يفضي إلى بريكست «من دون اتفاق» المكروهة التي يحذر بعض الاقتصاديين من أنها ستكون كارثة اقتصاديا. ووصف أحد الصحافيين استراتيجية ماكفي الانتحارية بأنها «بريكست على طريقة فيلم «تيلما آند لويز«» أو قفزة إلى المجهول.
وقد تكون «ماكفي» المرشحة الوحيدة التي تفضل بشكل صريح «بريكست» دون اتفاق على اتفاق، ولكن بعض المرشحين الآخرين يبدو أنهم ليسوا بعيدين جدا عن موقفها. وعلى سبيل المثال، يقترح راب، وزير «بريكست» السابق، حل البرلمان من أجل وقف أي قانون يمكن أن يعرقل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو يؤخره. غير أن هذه الفكرة تغضب بعض «المحافظين» لأنها تقحم الملكة في تجاذبات «بريكست»، كما يقولون.
«جونسون»، المرشح الأوفر حظاً، لديه فكرته المتصلبة الخاصة به: الامتناع عن دفع الـ 50 مليار دولار التي وافقت بريطانيا على دفعها للاتحاد الأوروبي عندما صوّتت لصالح الانسحاب. وقد أخبر جونسون صحيفة «صانداي تايمز» نهاية هذا الأسبوع بأن المال يمثل «مادة ممتازة» في الحصول على اتفاق. غير أن مسؤولين أوروبيين يقولون إن هذه الخطة ستكون غير قانونية وترقى إلى تخلف عن تسديد دين سيادي.
ومن أصل المرشحين العشرة، فإن مرشحَين فقط يستبعدان «بريكست» دون اتفاق. فستيورات، وهو مرشح أرثوذوكسي كتب ذات مرة كتاباً حول التجول عبر أفغانستان التي تمزقها الحرب، يتبنى موقفاً فريداً على اعتبار أنه يؤيد بشكل علني «بريكست» أكثر نعومة تشمل اتحاداً جمركياً. أما المرشح الوحيد الذي يفضل استفتاء ثانيا حول شروط مغادرة الاتحاد الأوروبي، عضو البرلمان «سام جيما»، فقد انسحب من السباق يوم الاثنين الماضي.
وقد يبدو هذا مفاجئا، بالنظر إلى المستويات المرتفعة من الدعم التي يحظى بها استفتاء ثان بين الجمهور البريطاني. غير أن اختيار رئيس الوزراء البريطاني المقبل سيتم عبر آلية داخلية للحزب، وليس عبر انتخابات على الصعيد الوطني. إذ سيبدأ المشرّعون «المحافظون» سلسلة من عمليات التصويت الخميس بهدف التخلص من كل المرشحين إلا اثنين سيذهبان بعد ذلك إلى أعضاء الحزب من أجل عملية تصويت عبر البريد.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»