اليسار في أميركا اللاتينية في خندق؛ فالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يشرف على اقتصاد ينهار. ورئيس الأكوادور السابق رفاييل كوريا، الذي يعيش في بلجيكا، يواجه أمراً بالاعتقال من محكمة في بلاده. والرئيسة البرازيلية السابقة ديلما روسيف تواجه اتهامات لتلاعبها بالحسابات، وسلفها الشهير وراعي «حزب العمال» البرازيلي لويس إيناثيو لولا دا سيلفا في السجن بسبب اتهامات بالفساد.
فما هو حال الرئيس البوليفي إيفو موراليس؟ حالياً، يحظى الزعيم الاشتراكي الذي يشغل المنصب لثالث فترة رئاسية بتأييد قد يمكنه من الفوز بولاية رئاسية رابعة في انتخابات أكتوبر المقبل. وهذا رغم أن الدستور الذي أعاد موراليس نفسه كتابته حظر على الرؤساء تولي السلطة أكثر من فترتين رئاسيتين، وأن غالبية البوليفيين أيدوا تحديد فترة الرئاسة في استفتاء قومي. مثل هذه الغطرسة الإمبراطورية، وطائفة قواعد صنعها موراليس نفسه لتلتف حول الديمقراطية، تترك الزعماء الأقل رباطة جأش عرضة للخطر. وعلى المرء أن ينظر فحسب إلى نيكاراجوا التي اعتمد فيها المستبد المحاصر دانيال أورتيجا على القوة المفرطة والزنازين ليتشبث بالسلطة. وموراليس ليس ديمقراطياً، والسر في بقائه على رأس الحكم أكثر من 13 عاماً هو حماية الجيش وعرقلة القضاء والتلاعب بالدستور والكثير من الحظ.
وبفضل شهية الصين في التهام المعادن والطلب الإقليمي على الغاز الطبيعي، شهد اقتصاد بوليفيا تحسناً. فقد زاد متوسط أسعار صادراتها من الغاز الطبيعي والمعادن 120% خلال سنوات الانتعاش بين عامي 2006 و2013، مقارنةً مع الفترة من 2000 إلى 2005، وفقاً لمركز «فانداثيون ميلينيو» البوليفي البحثي. ونما اقتصاد بوليفيا بمعدل 4.8% سنوياً بين عامي 2004 و2017. وحتى رغم بطء النمو العام الماضي، ظل الإنتاج المحلي الإجمالي يتوسع بنحو 4.5%، مما يجعل بوليفيا واحدة من أفضل الدول أداءً اقتصادياً في المنطقة، بحسب تقرير لصندوق النقد الدولي.
وموراليس أفضل من نظرائه البوليفيين في إدارته للثروة التي هبطت على البلاد. فأثناء الازدهار أدخر أموالاً في الاحتياطي الدولي، مما رفع هذا الاحتياطي ثمانية أمثاله من 1.7 مليار دولار عام 2005 إلى ما يقرب من 14 مليار دولار عام 2012. وشمل إنفاقه أيضاً زيادات كبيرة في الحد الأدنى للأجور وبرامج الرعاية الاجتماعية. وانخفض المعدل العام للفقر بشدة خلال السنوات العشر السابقة على عام 2017، بينما تقلص الفقر المدقع من 38% إلى 17%، مما أكسب موراليس التأييد والأصوات.
لكن الانتعاش يتبدد أيضاً. واعتماد بوليفيا على التعدين والغاز الطبيعي يتركها ضحية لاحتمال انخفاض أسعار المواد الأولية. وانخفاض عائدات الصادرات جعل العجز الحالي في الحساب الجاري يصل إلى نحو ملياري دولار سنوياً من عام 2015 إلى عام 2017. والدين الخارجي لبوليفيا ارتفع بأكثر من الضعف خلال فترة ما بعد الانتعاش، حيث زاد من 4.2 إلى 9.4 مليار دولار بين عامي 2012 و2017. والاحتياطات الدولية تنخفض بشدة.
وفي الوقت ذاته، يواصل الإنفاق الحكومي تصاعده، متجاهلاً تحذيرات المقرضين الأجانب مع بطء نمو الاقتصاد العالمي. وذكر صندوق النقد الدولي في ديسمبر الماضي أن «نموذج النجاح السابق استند إلى عوامل غير مستدامة. والاعتماد على عائدات الحظ من ثروة الموارد الطبيعية لتمويل برامج الرعاية الاجتماعية يجب إعادة النظر فيه». ورأى الصندوق أن الاستمرار في رفع الأجور فوق الإنتاجية الاقتصادية العامة «سيدمر بشكل أكبر التنافسية الدولية لبوليفيا». وعدم المساواة فاقم الخطر المالي، فالمساعدات السخية من الإعانات الاجتماعية التي تقدمها الحكومة، والتي تمثل 3.7% من الإنتاج المحلي الإجمالي، تجد طريقها إلى جيوب غير الفقراء. وهناك نحو 62% من البوليفيين يكدحون في وظائف غير نظامية، فيما يمثل أكبر اقتصاد غير رسمي في العالم، مما يضر بالإنتاجية وبالرأسمال البشري.
لكن الانزلاق الاقتصادي البطيء لبوليفيا لم يؤثر بشدة بعد على معدلات التأييد لموراليس. وتشير استطلاعات رأي إلى أنه يتفوق على المعارضة المنقسمة في السباق الرئاسي.
ومما ساعد في احتواء الضرر الاقتصادي عدم مركزية ميثاق الميزانية الذي كُتب في صورة قانون قبل انتخاب موراليس، وهو يخصص 20% من العائدات الاتحادية للمدن والبلدات. ويرى الاقتصادي روبرتو لاسيرنا، من مركز «فانداثيون ميلينيو» البحثي، أن «التقاسم التلقائي للعائدات ساعد في حماية الاقتصاد. وبفضل هذا الاشتراط الذي لم يستطع موراليس تغييره، أصبح الاقتصاد البوليفي متنوعاً إلى حد كبير». لكن عادة الحكومة في الإنفاق دون رقابة تشير إلى أن ساعة الحساب المالي لا مفر منها، بصرف النظر عمن سيفوز في أكتوبر المقبل. ويشبه لاسيرنا الوضع بقوله: «كما لو أن شخصاً يقفز من مبنى مؤلف من 12 طابقاً، أثناء سقوطه عبر عشرة طوابق، تظل كل الأمور جيدة فيما يبدو». لكن حتى أكثر البوليفيين تمتعاً بالتأييد لن يستطيع الإفلات من قوة الجاذبية الأرضية.
*صحفي متخصص في شؤون أميركا اللاتينية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»