أعلنت إندونيسيا، في الآونة الأخيرة، أنها ستعيد 3300 طن من نفايات البلاستيك، منها أقراص كمبيوتر مدمجة وأسلاك كهرباء معزولة وعلب ألبان فارغة إلى أستراليا وبنجلادش وكندا والصين واليابان. وبعد ذلك بأيام، أعادت الفلبين 69 حاوية من الحفاضات الكندية المستعملة، ونفايات أخرى دخلت الفلبين بين عامي 2013 و2014. ومن السهل استنباط سبب هذا، فالدول الصغيرة لا تريد أن تصبح مكباً للنفايات، التي تبدو أنها تناسب سلة نفايات خطرة، وليس مصنعاً للتدوير.
وفي الصين واليابان وخاصةً في أوروبا، هناك زخم يتصاعد لفكرة أن الاقتصاديات يجب أن تسعي لأن تكون أكثر «دائرية»، أي يجب معالجة النفايات التي تنتجها وتدويرها وإعادة استخدامها في البلاد أو بالقرب منها. ووضعت أوروبا أهدافاً طموحاً للوصول إلى اقتصاد تدوير على امتداد القارة، على مدار العقود الثلاثة المقبلة. والفكرة جذابة لكنها لسوء الطالع لن تجدي نفعاً، وهذا لأن قيام اقتصاد تدوير حقيقي لا يمكن أن يكون قومياً أو حتى إقليمياً، بل يتعين أن يكون عالمياً.
وهذا النمط العالمي كان سائداً حتى وقت قريب إلى حد ما. ففي القرن التاسع عشر، استوردت الولايات المتحدة الصاعدة آنذاك فضلات الأقمشة من أوروبا لتغذي مصانع الورق لديها واستوردت الصلب المستعمل من المملكة المتحدة، ليساعدها في بناء سككها الحديدية. وبعد الحرب العالمية الثانية، أعادت اليابان وتايوان بناءً اقتصادهما باستيراد كميات هائلة من مهملات المعادن والورق قليلة الكلفة من أنحاء العالم.
وبدايةً من أوائل ثمانينيات القرن الماضي، تجاوزت الصين كل سابقيها بأن أصبحت أكبر مستورد في العالم لما يمكن تدويره، وربح الجميع. فالدول التي كان من الممكن، بغير الصين، أن ترسل ما يمكن تدويره إلى مكب نفايات، بسبب الافتقار إلى منشآت معالجة ملائمة، وجدت مستهلكاً عملاقاً راغباً في دفع مقابل. وفي الوقت نفسه استطاعت الصين دمج ما يمكن تدويره في سلسلة إمداداتها الصناعية على نطاق واسع. ولنأخذ مثالاً واحداً، أنتجت الصين في عام 2016 ما يصل إلى نصف ما تنتجه من نحاس، تم استخراجه من موارد أعيد تدويرها، نصفها مستورد.
لكن الصينيين القائمين بعملية التدوير عجزوا عن تلبية معايير الصحة والسلامة، كما عجز عن ذلك منتجو السلع النهائية الصينيون. واتضح للصين أن استيراد مواد قابلة للتدوير من العالم المتقدم أرخص من جمع ومعالجة نفايات الصين نفسها. وفي يناير 2018، قيدت الصين بشدة استيراد النفايات القابلة للتدوير. وهذا القرار أفسد تجارة التدوير العالمية منذئذ. وسريعاً حول مستوردي المهملات الصينيين الجشعين عملياتهم إلى دول مثل ماليزيا، حيث قلصوا الكلفة في مواد إعادة التدوير للنفايات المستوردة، ليقوموا بتصدير المنتج إلى مصانع في الصين.
والمصنعون الذين يحتاجون إلى مواد خضعت للتدوير سيظلون في الدول النامية، وخاصةً لأن الاستهلاك أيضاً ينمو في هذه المناطق. والمواد الخام التي أعيد تدويرها والمنتجة في المناطق المتقدمة مثل أوروبا ستظل أعلى سعراً وأقل تنافسية، عن تلك التي تستطيع الدول النامية إنتاجها، وهي مشكلة شائعة لدى منتجي السلع النهائية.

وبدلاً من محاولة خلق دورات تدوير مغلقة في كل بلد أو كل إقليم، سيحسن نشطاء البيئة صنعاً إذا حضوا على جعل صناعة التدوير العالمية أكثر نظافة وكفاءة. والخطوة الأولى تتمثل في أن تضع منظمة الجمارك العالمية قانوناً متجانساً للجمارك يصنف بدقة النفايات والمواد الخام القابلة للتدوير. والدول قد تجعل تدفق المواد القابلة للتدوير أكثر سهولة بخفض أو إزالة الرسوم على المواد القابلة للتدوير، فهذه الرسوم لا تؤدي إلا إلى رفع كلفة التدوير وتحفز على التهريب.
وإذا اهتمت الدول الغنية بقدرة الدول الأفقر على تدوير النفايات بشكل ملائم، فبوسعها بذل المزيد لمساعدتهم على وضع أنظمة حديثة لإدارة النفايات. والحكومة الأميركية تتخذ خطوات صغيرة في هذا الاتجاه بالفعل والصين، بخاصة يمكنها أن تكون رائداً في هذا المسعى. فإذا خصصت الصين 3% فقط من تمويل مبادرة الحزام والطريق لإنشاء أماكن لجمع النفايات ومنشآت للتدوير في الدول المستقبلة، فستوسع بذلك إمدادات المواد الخام المستدامة مع اتقاء العواقب البيئية السلبية الناتجة عن السماح للدول الأفقر بمعالجة النفايات المستوردة. وخلق اقتصاد «دائري» حقيقي لا يحدث بإبقاء النفايات في الداخل، بل بضمان معالجة مواد العالم القابلة للتدوير بطريقة نظيفة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»