عندما يقرأ الصحفيون أفضل تحليل حتى الآن للجزء الثاني من تقرير المحقق الخاص «روبرت مولر»، فإنهم سيُصدمون! والجزء الأول، على رغم من أنه خضع للتنقيح والتحرير، انطوى على نتيجة واضحة لا تزال تتردد أصداؤها على الساحة السياسية الأميركية: لم تكن هناك مؤامرة بين الرئيس دونالد ترامب، أو أي فرد في أسرته أو موظف في حملته أو أي أميركي وبين الحكومة الروسية.
وبعد أن خلا تقرير مولر من أي اتهامات بالمؤامرة ضد أي شخص، تحول إلى سلسلة من الروايات التي يمكن تلخيصها بقول: «الرئيس فعل هذه الأمور، ويمكن أن تُشكّل إعاقة للعدالة». (وفي الحقيقة من الممكن أن تنتهك تلك الأفعال المحظورات بشأن إعاقة العدالة من دون أن ترقى إلى كونها جريمة. وهي حالات نادرة، لكنها موجودة).
وهنا يأتي دور «جاك جولدسميث» أستاذ القانون في جامعة هارفارد، والذي يعتبر على نطاق واسع خبيراً قانونياً، وربما أبرز خبير في الوقت الراهن في قانون الأمن القومي. وعمل في السابق مدعياً عاماً مساعداً في مكتب المستشار القانوني، (حيث تجتمع ألمع عقول وزارة العدل)، وهو الآن يُدرّس في جامعة هارفارد.
وقبل أسبوعين، نشر «جولدسميث» مقالاً يقيّم فيه الجزء الثاني من تقرير المحقق الخاص، ويوم الخميس الماضي، أصدر مقالاً آخر عبارة عن تتمة لذلك التقييم. وفي كلاهما، يدحض «جولدسميث» بالمنطق والتفاصيل ادعاءات إعاقة العدالة التي يرددها الأشخاص غير الراغبين في تقبّل حقيقة أن تحقيق «مولر» انتهى. وتحليله قاس، ويخوض في القوانين والآراء والمبادئ العليا للقانون الدستوري، لكن في نهاية مقاله الثاني، يستنتج «جولدسميث» أن «المحامين الموهوبين في مكتب المستشار الخاص، وضعوا في قلب التحليل القانوني بالجزء الثاني من التقرير حجة واهية، لدرجة أنه لا يمكن الدفاع عنها».
والآن انتهت مهمة «مولر»، وتحولت الدفة إلى المدعي العام الأميركي «ويليام بر». و«بر» مهتم بأمور أكثر أهمية بكثير من نظريات إعاقة العدالة ل19 من المدعين العموميين، الذين سعوا بقوة، إلى جانب عدد ضخم من الخبراء، لإيجاد أسس تدعم تطبيق قانون إعاقة العدالة على أفعال الرئيس. لكنهم لم يجدوا شيئاً. وبدلاً من مجرد الإقرار بالهزيمة، افتعلوا نظرية غريبة، مثلما يوضح «جولدسميث». وعلى رغم من غرابتها وضعفها، إلا أنها انتشرت على نحو واسع النطاق، وأثمرت الآن عن نقاط حديث لخصوم ترامب بشأن عملية «تستر».
وهي مجرد نقاط حديث، وليست إجراءً رسمياً لسحب الثقة، لأن مثل هذا الإجراء مصيره الفشل، ورئيسة مجلس النواب «الديمقراطية»، نانسي بيلوسي، تعلم أن التركيز على ذلك سيؤدي أيضاً إلى التركيز على «فضيحة التجسس» (سباي جيت)، وهي عبارة عن تحقيق جارٍ بشأن سوء استغلال محتمل للسلطة من قبل عدد من المسؤولين البارزين في مكتب التحقيق الفيدرالي، وربما جهات أخرى في مجتمع الاستخبارات وإدارة أوباما. وأكد المدعي العام أنه فتح تحقيقاً في السلوكيات الغامضة في موسم الانتخابات والفترة الانتقالية. ولم يقل «بر» شيئاً أكثر من أنه حدث تجسس على حملة «ترامب»، ولم يقل ما إذا كان هناك مبرر. وما فعله أنه كلّف «جون دورهام» المدعي المحترم ورفيع المستوى لمقاطعة «كونيكتيكت»، بجمع التسجيلات وتحليلها.
ويعني ذلك أنه إذا كانت هناك جريمة قد ارتكبت، فينبغي أن يكون الجناة قلقين. ويعني أن وسائل الإعلام لابد أن تحشد أفضل صحافييها للتركيز على ما يمكن أن يكون فضيحة القرن. لكن لا يبدو الأمر كذلك. ولا يبدو أن هناك حماسة كبيرة بشأن «فضيحة التجسس».
وإذا وجد «دورهام» خطأ، فسيكون من المستحيل على النخب الإعلامية تجاهله. لذا، دعونا ننتظر ونرى!
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»