في بيان مشترك صدر قبل أيام قليلة، أعلنت الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، عن بدء سريان اتفاقية التعاون الدفاعي بينهما، وقد تم ذلك خلال زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون إلى أبوظبي. عدة أسئلة تثيرها هذه الاتفاقية وفي البداية ماذا عن معناها ومبناها أول الأمر؟ باختصار غير مخل إنها تعلن عن مرحلة متطورة من الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، تلك التي بدأت مع اعتراف الولايات المتحدة الأميركية عام 1971 بالاتحاد الإماراتي الوليد آنذاك، وعلى طول نحو خمسة عقود تقريباً، باتت أوجه التعاون الإماراتي- الأميركي مثالاً في شكل ونوع العلاقات الدبلوماسية المتميزة بين الدول بعضها مع بعض.
يعن لنا أن نتساءل عن رمزية التوقيت الذي بدأت الاتفاقية فيه سريانها، وهل يحمل دلالات خاصة لمنطقة الخليج بنوع خاص وللعالم برمته بشكل عام؟ المؤكد أن ذلك كذلك فالاتفاقية تأتي في وقت حرج وحساس، لا سيما وأن كافة السيناريوهات مفتوحة على مصراعيها طالما بقيت إيران على غيها سادرة فيه.
يتحدث الملالي الإيرانيون عن السلم وعدم الاعتداء على الجيران، في حين أن القاصي والداني يعلم علم اليقين أنه لا كلمة ولا عهد لهم، بل ديدنهم هو السطو بالقوة على مال الغير وأرضه، وليس أدل على صدقية ما نقوله سوى استمرارها في احتلال الجزر الإماراتية الثلاث: طنب الصغري وطنب الكبرى وأبوموسي.
الملالي لا يحرصون على السلم والأمن، إن اللغة الوحيدة التي يتفهمونها جيداً هي لغة الحسام المهند، وإنْ كان أحد لا يتوق للحرب أو يشتهيها، لكن ينبغي اليقظة في كل الأحوال.
تأتي الاتفاقية الدفاعية الإماراتية- الأميركية المشتركة لتؤكد أيضاً على الخلفيات الحاضرة لواشنطن وأبوظبي على صعيد الحضور الجيواستراتيجي العالمي لكليهما.. ماذا عن ذلك؟ لتكن البداية من عند الإمارات العربية المتحدة، والتي أضحت دولة عصرية في عقود قليلة وتلعب دوراً استراتيجياً في منطقة ملتهبة ومحفوفة بالكثير من المخاطر.
باتت الإمارات رواق الأمم ومحط أنظار العالم، عطفاً على ذلك فقد اكتسب حضورها مهارة دبلوماسية فائقة الأهمية في محيطها الجغرافي، وما وراءه، وما تقوم به الإمارات من أدوار دولية في آسيا وشمال أفريقيا ووسطها مشهود له من القاصي والداني، سيما وأن وساطاتها صارت معروفة للجميع، ونجاحاتها يشهد لها بها في كل المجالس والأروقة الأممية.
أضحت الإمارات أيضاً دولة مركزية للباحثين عن السلام والأمن والاستقرار، وصارت أبوظبي عاصمة للسلام الإقليمي، ومن ورائها قيادات تنويرية تضيف للبشرية كل يوم ما دفعها في طريق الترقي، ويبعد بينها وبين منحدرات التحلل الإنساني والأخلاقي، وفي الوقت عينه تدرك الإمارات وقيادتها أن طرح القضايا المصيرية يبدأ من الذات وليس من الآخرين، ولهذا نراها تعمد إلى بناء قوات مسلحة نموذجية، قادرة على صون الوطن والدفاع عن شعبه، قوات تردع الأعداء، ويكفي الإمارات فخراً أن جيشها اليوم بات يتضمن صقور جو من بنات زايد المشهود لهن اليوم بالكفاءة القتالية في كل الأجواء، الأمر الذي أثبتته تجارب التحالف في الصراع الدائر في اليمن اليوم، ضد قوات «الحوثي»، الميليشيا، وذراع إيران هناك.
أما عن الولايات المتحدة الأميركية، فتبقى وثيقة ولصيقة الصلة في تحالفها مع الإمارات، ويمكن للمحلل المدقق والمحقق في شؤون وشجون واشنطن أن يقول الكثير عن أميركا اليوم، لكنها في كل الأحوال تبقى القطب الدولي الأكبر المتقدم، كما أن الشراكة معها في ظل الرئيس ترامب تكتسب معنى ومغزى مغايراً لما جرت به الخطوب في زمن الرئاسة الأميركية السابقة.. ماذا نعني بذلك؟
المقطوع به أننا إزاء رئيس واضح في حديثه وطريقة عمله، فهو عادة ما يفي بكل كلمة أو عهد يقطعه على نفسه، وقد وضع إيران في مقدمة اهتماماته، وحتى من قبل أن يدخل البيت الأبيض، أي خلال حملته الانتخابية الرئاسية.
ولعله واضح جداً أن ترامب قد رأى بعين نافذة الخلل الذي أصاب السياسة الخارجية الأميركية في زمن باراك أوباما، والمثالب التي ترتبت على الاتفاق سيئ السمعة الذي وقعه مع إيران، بل إن إحدى أخطر الكوارث التي تتجلى الآن في الصراع الدائر بين واشنطن وطهران إعلامياً، هي أن الإيرانيين يستغلون الوفرة المالية التي تحققت لهم من خلال إفراج أوباما عن 150 مليار دولار، أموال إيرانية كانت مجمدة، من أجل تطويع الإعلام الأميركي الداخلي، ليكون تحت رغبة الشهوات الملالية، ما يدفع الرأي العام الأميركي في اتجاه منافٍ ومجافٍ للحقائق، وحتى يرى إيران مظلومة غير ظالمة، وفي إطار من البكائيات الخادعة التي يجيدها الإيرانيون في نهجهم التقليدي للتقية المعروفة.
التعاون الدفاعي الإماراتي- الأميركي الأخير طريق محبوب ومرغوب لتعزيز رؤية واحدة بين البلدين، في مواجهة مخاطر الحاضر وإرهاصات المستقبل، ما يرفع مستوى الشراكة العسكرية، ويقوي ويعزز من درجات التفاهم السياسي، ويدفع دروب الاستثمار المتبادل، وفرص تعظيم المنافع الاقتصادية بين الجانبين إلى آفاق استراتيجية خلاقة..
*كاتب مصري