الانتخابات الإندونيسية التي تم إجراؤها في 17 أبريل الماضي، كانت نتيجتها إعادة انتخاب «جوكو ويدودو» لفترة رئاسية جديدة على خلفية سجله من الإدارة الاقتصادية المتينة. وبعد تأكيد النتائج رسمياً، قد جدد «ويدودو» التزامه بتحسين البنية التحتية والاعتراف بأن الدين يلعب دوراً في حياة الكثير من الناس.
سيكون المرء معذوراً إذا اعتقد أن الانتخابات كانت في أستراليا أو الهند، حيث اتجه الحديث سريعاً نحو الربط بين الانتصارات التي حققها الجناح اليميني مؤخراً وهيمنة الرئيس دونالد ترامب.
بيد أن هذه الانتخابات كانت في إندونيسيا، التي لديها مزايا مثل عدد سكانها البالغ 260 مليون نسمة وإمكانات النمو الاقتصادي، ما يجعلها أكثر أهمية من أستراليا. وبحلول منتصف القرن، من المتوقع أن تكون هذه الدولة الأرخبيلية واحدة من أكبر أربعة اقتصادات في العالم، جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة والصين والهند. وكان الرئيس «ويدودو»، الذي اشتهر باسم التدليل «جوكو»، قد أُعلِن رسميا الأسبوع الماضي الفائز في الانتخابات التي أجريت في 17 أبريل.
ظاهرياً، قد يبدو فوز «جوكو» هو أحدث النتائج التي تسعى للمقارنة مع ترامب. ولكن إذا نظرنا عن كثب سنجد سبباً للاعتقاد بأنه قد تكون هناك ثغرات في هذا الخط من القصة الذي يفيد بأن الأحزاب اليمينية تحقق الفوز في جميع الانتخابات. تماماً كما فشل الشعبويون في الهيمنة تماماً على انتخابات البرلمان الأوروبي.
من نواحٍ عديدة، كان جوكو هو الأقل التزاماً بمبدأ المحافظين، والقومي الأقل عدوانية والأكثر قدرة على التعامل مع المشاعر الإسلامية المتشددة. أما خصمه، «برابوو سوبيانتو»، فقد قدم نفسه باعتباره الرجل القوي الكلاسيكي. و«برابوو»، وهو جنرال سابق بارز، متزوج من ابنة «سوهارتو» الحاكم السابق للبلاد، وقد ترك الجيش وسط شكاوى تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان.
واللافت أيضاً أنه قبيل الانتخابات الرئاسية الإندونيسية، عزز «برابوو» خطابه اليميني القومي. وزعم أن النخبة تغتصب الأمة، متستراً على أصله، وطلب مناشدات لسياسة الهوية، وتباهى بالدعم الذي يتلقاه من رجال دين متشددين.
وفي النهاية، فإن قدرة «جوكو» على تقديم اقتصاد غير مذهل، على الرغم من نموه المطرد، تفوقت على العلامة التجارية لبرابوو من القومية المسعورة. لقد كان أداء الاقتصاد الإندونيسي جيداً تحت إشراف «جوكو»، حيث أصاب الناتج المحلي الإجمالي نمواً أقل من 7% وهي النسبة التي كان يستهدفها عند انتخابه للمرة الأولى عام 2014، لكنه تقدم ببطء ليحقق نسبة جيدة تبلغ 5%. كما اهتم «جوكو» أيضاً بالرعاية الصحية، وشبكة الأمان الاجتماعي وتخفيف حدة الفقر.
لعقود من الزمان، كان القادة الإندونيسيون يتحدثون بشكل جيد عن البنية التحتية. لكن «جوكو»، هو الذي نفذ ذلك، حيث افتتح المرحلة الأولى من نظام مترو الأنفاق في جاكرتا قبل بضعة أشهر. ومن المقرر أن يعزز الرئيس، خلال فترة ولايته الثانية، برنامجاً موسعاً للطرق السريعة في جاوة وسومطرة، أكبر جزيرتين في البلاد.
كما عزز جوكوي الدعم من خلال التأكيد على أهمية الإسلام في حملته الانتخابية، حيث اختار رجل دين بارزاً كنائبه في الترشح. كما كان الرئيس قومياً اقتصادياً، حيث وضع أصولاً مهمة في قطاعي الطاقة والمعادن تحت مظلة الشركات الحكومية. وكان جوكوي حريصاً على إبقاء مسافة مع الصين. وخلاصة القول: ما زال جوكوي راسياً في الوعاء الشعبوي، حتى لو أظهر الناخبون شهية لنسخة أكثر وسطية.
إن ديمقراطية إندونيسيا الناشئة لا تزال بعيدة عن النموذج المثالي. وقد كشف الاقتراع عن دولة مستقطبة بشكل متزايد، من الناحية الجغرافية. فمعظم سومطرة وأجزاء مهمة من جاوة مرتبطة بـ «برابوو»، بينما اختار شرق البلاد جوكوي. (كقاعدة عامة، كلما توغلت شرقاً في إندونيسيا، قلت جاذبية أشكال الإسلام الصارمة.)
وهناك أيضاً فجوة حضرية – ريفية متنامية تختلف عما نراه في الغرب. في بعض المناطق، دعمت المناطق الحضرية المرشح المتشدد، بينما دعمت المناطق الداخلية، الأقل تطوراً وتؤيد مزيداً من الإنفاق على تعزيز الرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية وتوفير فرص العمل، الرئيس الحالي.
ولكن مما يُحسب للقوة الاقتصادية الكبرى القادمة في العالم أن 80% من أصوات الناخبين البالغ عددهم 109 ملايين أدلوا بأصواتهم، ليتجاوزوا بسهولة مستويات الإقبال في الهند والولايات المتحدة. والأمر الأكثر إثارة للإعجاب أن الاقتراع للرئاسة والبرلمان والمناصب الإقليمية استغرق أكثر من ست ساعات.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»