النظام الإيراني يعيش أسوأ مراحله التاريخية، بل لم يمر بوقتٍ قاسٍ مثلما يجري هذه الأيام، فالولايات المتحدة الأميركية التي دللته في عهد إدارة الرئيس السابق أوباما هي نفسها من تقود الحملة الدولية ضد هذا النظام، وما يخيف النظام هو معرفته التامة بأن إدارة الرئيس ترامب تعرف جيداً أيديولوجيته وحرسه الثوري وأذرعه الميليشياوية وعلاقاته العميقة مع الحركات والتنظيمات الأصولية الإرهابية.
تحدث الرئيس الإيراني أن نظامه لن يخضع حتى لو تعرض للقصف، وهي «شنشنة» نعرفها من أخزم، كما كانت تقول العرب، فالشعارات ملجأ النظام في كل أزماته، ولكن الشعارات لا تطعم خبزاً ولا تسد رمقاً، وقسوة العقوبات لا ترحم، وقطع موارد النظام بشكل حاسم وحازمٍ سيضعه في خانة ضيقةٍ جداً من إمكانية المناورة.
لقد بدأ الاضطراب بالفعل بين القيادات الإيرانية، فالمرشد الأعلى بدأ يتبرأ من الاتفاق النووي ويحمل تبعاته لوزير الخارجية محمد ظريف، وقائد الحرس الثوري يهدد أميركا بأنه قادرٌ على هزيمتها هزيمة نكراء، ومسؤول آخر يتحدث عن سلاحٍ سريٍ مخيف تمتلكه إيران، ولا يعرف عنه العالم شيئاً، إنها شوشرات سياسية وتهويمات إعلامية للاستهلاك الداخلي وتشجيع الميليشيات التابعة للنظام، لا تذكرنا إلا بعنتريات أحمد سعيد في الستينيات ومزايدات الصحّاف إبان سقوط النظام العراقي.
إن النظام الإيراني يفتش اليوم عن مخرجٍ، أي مخرجٍ، يجنبه السقوط المدوي، ويخرجه من نفق لا يرى أي بصيص في آخره، فهو يرسل مسؤوليه شرقاً وغرباً، يجوبون العالم بحثاً عن قشة يتعلق بها الغريق، ولا يجد، عن وساطة من أي شكل أو لونٍ تبعد عنه المصير المحتوم، ولكن بلا أملٍ.
لا يمكن لأي دولةٍ في العالم أن تجد أي مصداقيةٍ لنظام أثبت على مدى أربعة عقودٍ أنه نظام مارق عن النظام الدولي، وأنه نظام راعٍ للإرهاب والطائفية، ونظام ينشر الميليشيات ويدعم التنظيمات العنيفة سنياً وشيعياً، وهو لم يثبت ولا مرةً واحدة أنه قادرٌ على التخلي عن أيديولوجيته الحاكمة ورغبات التوسع والنفوذ، لا يوجد شاهد واحدٌ فقط لإثبات جدوى التفاوض أو التنازل لهذا النظام، فمن سيتوسط له.
الأنظمة الأيديولوجية الصارمة تسقط، لا تُصلح نفسها، ولا تتراجع، بهذا سقط الاتحاد السوفييتي، وسقط نظام «طالبان»، وسقط نظام البشير في السودان، والنظام الإيراني لا يختلف عن هذه النماذج، وإنْ لم تسقط تلك الأنظمة، فإنها تخرج من التاريخ مثلما جرى في كوبا حيث أعادتها العقوبات الأميركية إلى جحور التاريخ.
تغييرات كبرى جرت وتجري في المنطقة، فهزيمة ما كان يعرف زوراً بـ«الربيع العربي» ضربت الأصولية والإرهاب في الصميم، فعادت الدولة العربية لنفسها، في مصر وتونس من قبل، وفي السودان وليبيا اليوم، وفي غيرها غداً، والمحور العربي يمد جناحاه إلى العراق واليمن وبقية الدول العربية، دعماً للاستقرار والتنمية والمستقبل، واليوم تقف المنطقة على مفترق طرقٍ بفرصةٍ تاريخية للعالم بأسره.
الفرصة التاريخية هي أنه أصبح بالإمكان تصوّر عالمٍ بلا إيران، عالمٍ لن يخلو من المشكلات كما هي طبيعة البشر ومنطق التاريخ، ولكنه سيكون خالياً من نظامٍ أيديولوجي خرافي يؤمن بالعنف والقتل والدماء ويكفُر بكل القوانين الدولية، ولا يملك أي قدرة على إصلاحٍ أو تعديل أو إعادة تأهيل، ومجرد التفكير في دولة إيرانية سويةٍ تهتم بشعبها وتنميته ومستقبله يوضح بجلاء مدى الأضرار التي ألحقها هذا النظام بالمنطقة والعالم. أخيراً، فلقد أثبتت دول الاعتدال العربي في السعودية والإمارات ومصر ومن معها من الدول العربية أنها قادرةٌ بالوعي القوي والاستراتيجيات الفاعلة على تغيير كافة المعادلات في المنطقة.