لا يختلف اثنان على تدهور الأوضاع العربية في العديد من الدول وتحديداً اليمن وسوريا وليبيا والجزائر والسودان والحرب على الإرهاب وتنظيم «داعش» في عدة دول عربية بجانب استمرار السياسات الأحادية الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة في فلسطين وتجاهل القرارات الدولية الخاصة بإقامة دولتين أحدهما فلسطين على الأراضي المحتلة من إسرائيل عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. والنتيجة غير الطبيعية لتلك الأوضاع المتدهورة هي اختلاف الرؤى العربية إزاء تلك الأخطار وتباعد سياسات الدول العربية بصورة جذرية عن صيغة توافقية جماعية عوضاً عن وحدة الصف العربي إزاء تلك الأوضاع التي لا تهدد العرب فقط بل تلقي بظلالها السوداء على مستقبل الوطن العربي بالكامل. ولكن العامل الأكثر تأثيراً في تدهور الأوضاع هو بروز الخطر الإيراني منذ عام 1979 عندما قام نظام «الملالي» في طهران على أنقاض الدولة البهلوية وشروع «آيات الفتنة» في تطبيق مبدأ «تصدير الثورة الإسلامية» إلى الدول العربية ودعم الجماعات الإرهابية.
فمنذ عام 1979 نجد الخطر الإيراني العامل المشترك في العديد من الأوضاع بدءا من نشوب الحرب العراقية – الإيرانية ثم الاحتلال الكامل للجزر الإماراتية الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، فالتدخل الصريح في الشؤون الداخلية، وغالباً دعم الجماعات الإرهابية، في سوريا والعراق ولبنان والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ومؤخراً إشعال فتيل الفتنة في اليمن من خلال الدعم الشامل لـ«الحوثيين» في وجه النظام الشرعي في صنعاء. وفي مقابل هذا كله لا نجد دولة عربية واحدة قامت بإعلان الحرب على إيران أو دعمت الأقليات السٌنية التي تعاني من الظلم والاضطهاد والتفرقة العنصرية بل على النقيض ما زالت العديد من الدول العربية تحتفظ بعلاقات سياسية وتجارية مع طهران وتدعوها في الوقت نفسه لمراجعة سياساتها الداعمة للإرهاب، وتدعوها كذلك للتعايش السلمي مع جيرانها وإعادة الجزر المحتلة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.
والملاحظ أن طهران ترمي من وراء تلك السياسات العدائية إلى تنفيذ العديد من الأهداف وأبرزها نقطتان رئيسيتان. الأولى هي زعزعة الأوضاع الداخلية في تلك الدول، وخاصة العربية الخليجية، بٌغية إضعافها والسيطرة عليها سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وعسكرياً إن تطلب الأمر، وهو امتداد طبيعي للسياسة الفارسية منذ مئات الأعوام. بينما النقطة الثانية هي صرف التركيز العربي عن القضية الرئيسية منذ عام 1948 وهي الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. وخلال الأعوام القليلة الماضية نجد تنامي السياسات الإيرانية العدائية تجاه دول الجوار في الخليج العربي وبلوغها درجة غير مسبوقة وذلك من خلال الدعم العسكري الصريح والقوي لجماعة «الحوثي» في اليمن في الهجمات بالصواريخ والطائرات المٌسيرة عن بعد على أراضي المملكة العربية السعودية إذ وصلت ذروتها مؤخراً للاعتداء على خطوط نقل النفط في الأراضي السعودية بجانب بروز بعض الدلائل لتورط إيران في الهجمات التخريبية البحرية على 4 سفن في المياه الاقتصادية لدولة الإمارات ترفع إحدها علم الإمارات العربية المتحدة بينما ترفع 2 علم المملكة العربية السعودية والرابعة ترفع علم النرويج.
وفي ظل تلك التطورات الخطيرة قام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بإطلاق الدعوة لعقد قمتين طارئتين، عربية وخليجية، في مكة المكرمة يوم 30 من الشهر الجاري، وذلك بهدف الحرص على التشاور والتنسيق العربي المشترك والخروج برؤية عربية موحدة إزاء الخطر الإيراني الذي استفحل وبات يستوجب موقفاً عربياً صارماً يبتعد عن السياسات الفردية التي أصبحت ثغرة قوية وخطيرة تغلغلت من خلالها طهران لشق الصف العربي، فهل ينجح العرب في ذلك الاختبار ويتمكنوا من تشكيل جبهة موحدة لمواجهة الخطر الفارسي الذي لن يقف إلا عند تدمير الدول العربية؟!