يتزايد حيناً بعد حين الاستقطاب السياسي بين حزبي اليمين واليسار في أميركا وأوروبا بشكل كبير، وهذا يفاقم الوضع في الشؤون الخارجية، خاصة بمنطقة غير مستقرة مثل منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي تحديداً. فالخلاف الكبير بين اليمين واليسار على قضايا مهمة، مثل إيران وأزمة قطر و«الإخوان»، إضافة إلى حرب اليمن له تداعياته الخطيرة على أمن الخليج.
على سبيل المثال، القرارات التي اتخذتها إدارة أوباما تختلف تماماً عن سياسة إدارة ترامب. فالإدارة الحالية للحزب «الجمهوري» تعارض الاتفاق النووي مع إيران الذي وافقت عليه إدارة الحزب «الديمقراطي» السابقة. فقد وصف ترامب الاتفاق بـ «الجنوني» و«التافه»؛ لأنه لا يمنع إيران من صناعة القنبلة النووية على المدى البعيد، وفي الوقت نفسه يطلق لها العنان بالتدخل أكثر في شؤون الدول العربية، كما أن الإدارة الحالية ضد الانسحاب السابق لأوانه للقوات الأميركية من العراق وتسليم البلاد إلى إيران مما سيزيد من هيمنة طهران في المنطقة. إدارة ترامب أيضاً ضد جماعة «الإخوان» و تتجه لتصنيفها على أنها منظمة إرهابية، بينما دعمتها إدارة أوباما السابقة بقوة خلال ما يعرف بـ «الربيع العربي»؛ لذلك تحاول الجماعات اليسارية وجماعات الضغط في أميركا التي تمولها جماعة «الإخوان» عرقلة تصنيف ترامب، مستغلة ذلك الخلاف بين الحزبين. كل هذه التوترات بين اليمين واليسار تنعكس على ما نراه في وسائل الإعلام التي من شأنها تكوين الرأي العام لهذه القضايا المهمة.
المعضلة الأساسية في هذا الخلاف، تكمن في عدم وجود معالم واضحة متفق عليها بين الأحزاب السياسية في الغرب لتفسير معنى الإرهاب. فهناك صنفان من الجماعات إرهابية، الصنف الأول متمثل في الجماعات القتالية مثل «داعش» و«القاعدة»، والجميع متفقون على أنها جماعات إرهابية لكن الإشكالية في الصنف الثاني، دعاة الإسلام السياسي، المنقسم إلى مجموعتين. المجموعة الأولى هي مجموعة الإسلام السياسي المتطرفة والواضحة بتمسكها في أيديولوجياتها مثل «حزب الله» و«حماس» و«الحوثيين» والتي تدعمهم إيران بشدة ومعها قطر. أما المجموعة الثانية، وهي المجموعة التي تتعامل بوجهين: وجه «مسالم» للغرب ووجه متطرف يخص الدول العربية والإسلامية فهي المتمثلة بـ «الإخوان» التي تدعمهم قطر بكل قواها ومعها تركيا. فالخلاف الأساسي في محاربة الإرهاب بين الأحزاب الليبرالية والمحافظة في الغرب أن المحافظين يجدون في الصنف الثاني بوابة للتطرف، فلو تم دعمه معناه دعم للجماعات الإرهابية كـ «داعش» و«القاعدة»، لأنهم جميعاً ينتمون لنفس الأيديولوجية المتطرفة، بينما الليبراليون في الغرب مثل إدارة أوباما يجدون في الصنف الثاني لقاحاً معالجاً للجماعات المتطرفة، مثل «داعش» و«النصرة» لأنه يمثل في نظرهم الإسلام المعتدل، وأن بإمكانه ترويض الجماعات الإرهابية ومحاربته يعد محاربة للإسلام. هذا قد يفسر سبب الرباعية المناهضة لقطر (السعودية، الإمارات، مصر، البحرين) متفقة مع المحافظين، في حين أن دعاة الإسلام السياسي مثل قطر وتركيا وإيران متحالفون مع الأحزاب اليسارية الليبرالية في الغرب.
إن أكبر تحدٍّ يواجه «الرباعية» المناهضة لقطر هو أن الإعلام الغربي كما نجده في أميركا وبريطانيا يسيطر عليه اليساريون الليبراليون. ونتيجة لذلك، يدعم هذا الإعلام وجهات نظر دعاة الإسلام السياسي، وغالباً ما تكون ضد رؤى «الرباعية». وينبغي على هذه الأخيرة أن توضح للحزب «الجمهوري» و«الديمقراطي» في أميركا وأحزاب «اليمين» و«اليسار» في أوروبا أهمية الإجماع بينهما على مواضيع الأمن القومي للخليج. فلا يمكن أن تكون منطقة الخليج رهينة لمن هو في البيت الأبيض ورهينة المكتسبات السياسية بين الحزبين على حساب أمن المنطقة. أيضاً على الإمارات والسعودية تعزيز قوتهما الناعمة لنقل رؤيتهما على وجه أوضح، من خلال تطوير العلاقات الدبلوماسية والتي عادة ما تكون حكراً على علاقات مع رؤساء الدول والنخب إلى علاقات مع القاعدة الشعبية وعامة الناس في الغرب والتركيز على الإعلام الجديد.