تعيش دولة الإمارات هذه الأيام احتفالية زايد غارس بذرة العمل الإنساني في أبناء وبنات الدولة، وهي مناسبة تحتم علينا استخلاص الدروس والعبر من خلال ما علمنا إياه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته، فمنذ توليه مقاليد مسؤولية العمل في إمارة أبوظبي في أغسطس 1966 كحاكم لها، ثم بعد ذلك انتخابه رئيساً للدولة الاتحادية في ديسمبر 1971 من قبل إخوانه أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات، أخذ في قيادة هذا الشعب الكريم المعطاء على دروب العمل الإنساني الهادف إلى فعل الخير في داخل الإمارات وخارجها لكي يعم جميع أنحاء المعمورة من مشارقها إلى مغاربها، حتى أن اسم زايد رحمه الله اقترن بالخير الذي لا يزال يطال البشرية في كل مكان، فهو «زايد الخير».
وربما أن شهادتنا كمواطنين وحديثنا عن زايد الخير والأعمال الإنسانية الجليلة وحب الآخرين وتقبلهم هي شهادة مجروحة، فنحن حين نتحدث عن زايد فحديثنا عن والدنا ومربينا ومن رعانا طول حياته، لكنها كلمة حق يجب أن تقال وفاء له وتخليداً لذكراه فنحن نفتقده كثيراً منذ رحيله عنا إلى جوار ربه، فرحمك الله أيها الوالد المبجل، وليسكن الباري عز وجل روحك الطاهرة في جنات الخلد مع من اصطفاهم من عباده الصالحين. العمل الإنساني وحب الخير الذي غرسه زايد في ضمائر أبناء الإمارات خالد، لم يأت من فراغ أو ينصرف إلى فراغ، بل جاء نتيجة للحب الذي حمله له أبناء الإمارات في حياته، ولا يزالوا يحملونه له بعد أن استخاره ربه لكي يُترجم في موقع فريد ومتميز لدولة الإمارات وشعبها بين أمم الأرض.
ومنذ أن تبوأ زايد القيادة تواجدت مجموعة من الأسس والمبادئ التي غرسها في أبناء هذا الوطن وساروا عليها لكي تنعكس في جميع ما يقوم به أهل الإمارات من نشاطات إنسانية صقلتها عوامل مؤثرة أهمها حب عمل الخير على الصعيد الإنساني والاعتدال في كل أمر من أمور الحياة على صعيد الدين والثقافة والسياسة والاقتصاد ومعالجة قاضيا المجتمع، إلى جانب الوسطية والحس الإنساني كمنهج نسير عليه.
منذ بداية المسيرة كان الشيخ زايد رحمه الله مدركاً وواعياً لأهمية تشكيل الهوية الوطنية لأهل البلاد، ولكيفية تعاملهم مع الآخر وتعامل الآخر معهم، فكان عمله جباراً في صقل هذه الهوية ومعرفتها لذاتها بأنها خليجية عربية مسلمة، وعليها أن تتعامل إنسانياً مع جميع بني البشر الآخرين، ومن منطلق يفرض عليهم واجبات جمة تنطلق من الطبيعة الاتحادية للبلاد، ومن تواجد جاليات وافدة قادمة من مائتي دولة وأكثر من مختلف أرجاء المعمورة.
جميع ذلك جعل الشيخ زايد يكرر دائماً بأن هذه التركيبة الجديدة للبلاد تستدعي من أهلها أعمالا إنسانية لا تحصى لكي يعم السلام والوئام، مثلما أنه يستدعي إجماعاً من الأعضاء المكونين للاتحاد قيادات ومواطنين، لوجود حس وعمل إنساني لاستيعاب وأيضاً التعامل مع هذا العدد الضخم والمتنوع الأصول والثقافات والأديان والأعراق والأجناس والرغبة في خلق توازن خلاق بين المتطلبات الوطنية المحلية والالتزامات الخارجية، في سبيل تحقيق المصالح العليا للبلاد على كافة الصعد.
لقد علمنا زايد رحمه الله بأن الطبيعة السياسية الخاصة للإمارات، وطبيعة الاقتصاد الوطني المرتبط باستخراج النفط وتسويقه وتصديره، والقضايا السياسية والاستراتيجية والعسكرية والأمنية هي أمور هامة ذات تأثير واضح على مستقبلها وعلى رسم وبلورة سياساتها الداخلية والخارجية وتنفيذها، وهذه جميعها ذات علاقة مباشرة بحس أهلها الإنساني وعملهم الدؤوب في هذا المجال لكي يغرسوا بذور الخير في كل مكان عن طريق أعمالهم الصالحة، ويمدوا أياديهم لجميع بني البشر المحتاجين إلى عمل الخير في أوساطهم، وتلك التعاليم تمت ترجمتها عبر ما فعلته الإمارات تجاه العديد من مناطق ودول العالم، بدءاً بإصلاح ذات البين الخليجي، مروراً بحرب تحرير الكويت، وولوجاً إلى البوسنة والهرسك وكوسوفو، وانتهاءً بأعمال الدعم والإغاثة إلى عدد لا يحصى في جميع قارات العالم.
رحمك الله يا زايد الخير فقد كنت معلماً وغارساً لبذرة العمل الإنساني في كل مكان.
* كاتب إماراتي