في إحدى حلقات بودكاست «ذا دايلي» مؤخراً، أوضح منتِجان أميركيان، أحدهما مزارع والآخر صانع لشاحنات جمع القمامة، كيف أن حرب الرئيس ترامب التجارية تتسبب في ضرر كبير لعمليهما. غير أن كليهما ما زالا يدعمان جهوده، لأنهما يقولان إن الأساس المنطقي للحرب التجارية مبرَّر.
والواقع أنه إذا كانت ثمة انتقادات كبيرة للكيفية التي يتعاطى بها ترامب مع الموضوع، فإن فكرة أن الصين يجب أن تعاقَب بسبب انتهاكاتها المفترضة لقواعد التجارة الدولية، فكرة منتشرة على نطاق واسع عبر كلا الحزبين السياسيين. فلا أحد تقريباً يتساءل حول ما إن كان هذا سبباً مشروعاً لشن حرب تجارية.
والحال أن هذا خطأ فادح؛ ذلك أن الأساس المنطقي برمته قد يكون مجانباً للصواب. وإذا كان كذلك، فإنه لن يفيد العمال الأميركيين، وبوصفه جهداً حمائياً فإن تكاليفه بالنسبة للناس عبر العالم يمكن أن تفوق مزاياه.
إن اعتراضنا على نقل الملكية الفكرية يجب أن يُنظر إليه، كما يقول عالم الاقتصاد دين بيكر، من منظور أولئك الذين من أجلهم تخاض الحرب التجارية على ما يفترض، وهم العمال الأميركيون المتضررون من العولمة. غير أن حماية الشركات الأميركية متعددة الجنسيات من ممارسات الصين في هذا المجال لن يساعد أولئك العمال، على اعتبار أنه سيحفز تعهيد وترحيل مزيد من عمليات الإنتاج إلى الخارج. لكن لما كان نقل التكنولوجيا يهدد أرباح هذه الشركات، فإن إرغام الصين على الكف عن التشديد عليها يخفض تكاليف الإنتاج في الخارج بالنسبة للشركات.
ويتساءل بيكر: من المستفيد من حماية ملكيتـ«نا» الفكرية؟ ويقول: «إن ملكيتنا الفكرية ليست الشيء الذي يحميه ترامب. ففي نهاية المطاف، قلة قليلة من الناس لديهم براءات اختراع أو حقوق تأليف تجعلنا نخشى أن تستخدمها الصين من دون تعويض. لكن الملكية الفكرية التي يريد ترامب وحلفاؤه عبر الطيف السياسي حمايتَها تعود إلى شركات كبرى مثل بوينج وفايزر ومايكروسوفت. فهدفهم هو جعل الصين تدفع مالا أكثر من أجل الوصول إلى التكنولوجيا التي طوّرتها هذه الشركات. وهذا جيد لأرباحها، لكنه لا يفيد الأغلبية الساحقة من الناس».
بعبارة أخرى، إن حماية حقوق التأليف وبراءات الاختراع الخاصة بالشركات متعددة الجنسيات تجعلها أغنى، بينما يعبّد ذلك طريقَها مرة أخرى للإنتاج في الخارج. فهل الأمر حقاً يستحق خوض حرب تجارية، مع كل ما تنطوي عليه من خسائر جانبية؟
والآن، لنتأمل اعتراضنا على دعم الصين لشركاتها. في لغة السياسات الأميركية حول هذه الممارسة فإن الحكومة هي مَن «تختار الفائزين»، وليس الأسواق. وبهذا المعنى، فإنها تُعد وصفةً لعدم الفعالية والهدر وضعف الابتكار والفساد. وبالتالي، فلماذا إطلاق حرب تجارية بسبب ممارسةٍ يخبرنا نموذجُنا، القائم على فكرة أن «الأسواق تعرف أفضل»، بأنها ستضر بمن يمارسونها؟ إن القيام بذلك يبدو اعترافاً بأننا «لا نستطيع التنافس معكم إذا كنتم تختارون الفائزين». وبالنظر إلى أن هذا الموقف يدعم ضمنياً الاشتراكية على الرأسمالية، فإنه من المثير للسخرية بشكل خاص أن تتخذه إدارة ترامب.
ولا شك أن قضية سرقة الملكية الفكرية مقابل نقلها الطوعي ينبغي أن تخضع للمتابعة القضائية، والضحايا ينبغي تعويضهم. غير أنه لا شيء من ذلك يقتضي منا قبول التوترات المتزايدة والفوضى وعمليات إعادة الاصطفاف الجيوسياسي الممكنة التي قد تنجم عن هذه الحرب التجارية. ومثلما يقول عالم الاقتصاد يوكون هوانج، في مقال بصحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً، فإن هذه الحرب التجارية مع الصين «لا تتعلق بحرب تجارية حقاً»، وإنما باعتراض زعمائنا السياسيين وصناعيينا على نموذج اقتصادي مختلف عن نموذجنا الخاص.
وخلاصة القول هي أن موقفنا من التجارة ينبغي أن يكون موقف انفتاح وعدل واعتراف بضرورة السماح لنماذج النمو الأخرى بأخذ دورها على الساحة العالمية. وقد نعلم أن الاستثمار العام الذكي يدعم النمو أكثر بكثير مما يبدو أن الساسة الأميركيين يدركونه اليوم.


*مستشار اقتصادي سابق لنائب الرئيس الأميركي جون بايدن
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»