أصبح من الأمور المميزة لإدارة ترامب أن ترفض أو تدمر أي إطار حالي للاتفاقيات، وبعد ذلك تتعهد باستبداله بشيء أفضل منه بكثير.
ويتساءل خبراء الأمن الروس، الذين راقبوا باهتمام نهج الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، حيال كوريا الشمالية وإيران وغيرهما، عن أولوية واشنطن الجديدة فيما يتعلق بـ«الحد من الأسلحة»؟ وما إذا كانت ستعرض على روسيا اتفاقاً جديداً بالكامل، في مجال يمثل أهمية تقليدية بالنسبة لموسكو؟
هذا أمر محير بعض الشيء، لأنه لم يتم عرض أي تفاصيل من قبل البيت الأبيض أو الكرملين عقب اجتماع الرئيس فلاديمير بوتين مع وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في سوشي الأسبوع الماضي. والعودة إلى الحديث عن صفقات الأسلحة يأتي فقط بعد أشهر قليلة من بدء العديد من الدول النظر إلى النموذج الأميركي الروسي للحد من الأسلحة النووية، والذي مضى عليه نصف قرن، على أنه تجربة قد ماتت تماماً.
وفي وقت سابق من هذا العام، انسحبت الولايات المتحدة من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى، التي كانت تحظر فئة كاملة من الصواريخ النووية مع انتهاء الحرب الباردة، وتبعتها روسيا في ذلك. لا أحد يعتقد أنه من الممكن إحياء الاتفاقية. والاتفاق الأخير المتبقي للأسلحة الاستراتيجية، وهو معاهدة ستارت الجديدة، الموقّعة قبل عقد من الزمان تقريباً، ينتهي في أقل من عامين، ولا توجد مفاوضات في الأفق لتمديده.
مثل العديد من الأفكار التي أخمدتها إدارة ترامب، فإن الحديث الجديد عن الحد من الأسلحة قد لا يعني أي شيء على الإطلاق. يقول المحللون: إنه قد يكون مجرد إلهاء، لإدخال ملاحظة متفائلة في أجندة مليئة بقضايا لا تتفق عليها الولايات المتحدة وروسيا، مثل إيران وفنزويلا. لكن قد يكون هناك مفهوم جديد وأكبر يخرج من واشنطن، مفهوم قد تكون روسيا على استعداد لمناقشته، بحسب ما يرى المحللون.
يقول «أندريه كورتونوف»، مدير مجلس الشؤون الدولية الروسية، التابع لوزارة الخارجية: «لقد أبدى الأميركيون استعداداً للحديث عن مبادئ عامة للاستقرار الاستراتيجي بدلاً من إحصاء عدد الصواريخ والرؤوس الحربية». واستطرد: «سيتناول هذا قضايا مثل عسكرة الفضاء، والذكاء الاصطناعي وأموراً أخرى قد تزعزع الاستقرار. هذا لا يتعلق بالحد من الأسلحة، بل بتقليل المخاطر. نحن نعتقد أن الولايات المتحدة بحاجة إلى الحد من الأسلحة بشكل ما، وهناك إجماع على أن هذا يعزز الأمن القومي، ويعمل على ترسيخ الاستقرار، وهو أمر يمكن التحقق منه مع روسيا». وذكر كورتونوف أنه تحدث إلى مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، أثناء اجتماع على مائدة الإفطار في السفارة الأميركية في موسكو، العام الماضي، حيث أشار بولتون إلى أن إدارة ترامب تريد ترك بصمة على قضية الحد من الأسلحة النووية والتي سيميزها عن سابقاتها. وأوضح كورتونوف أن «بولتون قال: إن كل هذه الصفقات القائمة صغيرة جداً ومحدودة، وإننا بحاجة إلى التوصل إلى مبدأ جديد للاستقرار الاستراتيجي». وأردف: «من بين الطموحات التي قد تكون لديهم هو القيام بشيء يضع ترامب في مستوى مختلف تماماً عن أوباما. وليس من الواضح بعد ماذا يعني هذا بالنسبة لنا. لكن هل ستكون روسيا مستعدة للحديث عنه؟ ربما. لقد واجهنا الكثير من خيبات الأمل مع ترامب في السنوات القليلة الماضية، والسؤال الكبير بالنسبة لنا هو ما إذا كان سيلتزم بأي شيء يتحدث عنه. لكن ربما على الأقل يمكننا أن نأمل في نوع من إدارة المواجهة».
ويرى الخبراء أن الولايات المتحدة وروسيا تخوضان عملية تحديث شاملة لقواتهما النووية الردعية، ولن ترغب أي منهما في خفض ترسانتها لأقل من المستويات المنصوص عليها في معاهدة ستارت الجديدة. ومن الشكاوى التي أثارتها الولايات المتحدة حول الإطار القديم للحد من التسلح، أنه إطار ثنائي ولا يتضمن أي قوى صاروخية نووية جديدة مثل الصين. وحتى لو كانت الولايات المتحدة وروسيا لا تزالان تمتلكان أكثر من 90% من الأسلحة النووية الموجودة في العالم، فهذه نقطة مشروعة.
ويقول «بافل زولوتاريوف»، نائب مدير معهد الدراسات الأميركية والكندية في موسكو، وهو جزء من الأكاديمية الروسية للعلوم، إنه «قد يكون من الممكن إطالة أمد معاهدة ستارت الجديدة، لكن هل نحن بحاجة إليها بالفعل في شكلها الثنائي الحالي؟»، ثم يوضح أن الردع القديم المتمثل في التدمير المتبادل، ما زال قائماً، لكنه يتآكل بسرعة، بسبب ظهور قوى جديدة. والقضية التي تواجه الولايات المتحدة وروسيا الآن هي البحث عن أفضل السبل لتوسيع إطار الحد من الأسلحة ليشمل هذه البلدان الجديدة.
وأضاف زولوتاريوف: «لا يبدو من المرجح أن توافق الصين ودول أخرى على الانضمام إلى العملية الآن، لكن كلما أسرعت الولايات المتحدة وروسيا في تمديد المعاهدة التي لدينا، أسرعنا في المضي قدماً في إيجاد وسائل لجلب الآخرين». واستطرد: «لقد بات من المُلح حل هذه المسائل الجديدة حول الردع النووي، لتقليل خطر استخدام الأسلحة النووية».
*صحفي كندي يعيش في موسكو ومتخصص في الشؤون الروسية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»