من رحم الحركة الصهيونية، كان «طبيعياً» خروج جماعات تؤمن بالأفكار النازية والفاشية على قاعدة الترويج لنظرية تفوق الأعراق، وقد نشأ في أحضان هذه الجماعات قادة وضباط كبار في الجيش وأعضاء كنيست ووزراء.
نشرت القناة 13 التلفزيونية الإسرائيلية تقريراً حول الكلية الدينية (ييشيفاه) «بني دافيد»، والمعروفة كمعقل لتنشئة أجيال من العنصريين، بسبب الأفكار التي يغرسها حاخامات هذه الكلية في عقول طلابهم. وقد تضمن التقرير تسجيلات صوتية للحاخامات خلال المحاضرات أمام الطلاب. فمثلا يقول رئيس «الييشيفاه»، الحاخام «إليعزر كشتيئيل»، لطلابه: «أفضل شيء أن تكون عبداً ليهودي. والعرب فرحون بأنهم عبيد. توجد من حولنا شعوب لديها مشكلة جينية. العربي يريد أن يكون تحت الاحتلال لأن لديه مشكلة جينية، وهو لا يعرف إدارة دولة، ولا يتقن صنع شيء.. إننا نؤمن بالعنصرية. ويوجد عنصريون في العالم، وتوجد مميزات جينية لشعوب، وهذا يتطلب منا التفكير في كيفية مساعدتهم. واليهود هم عرق أنجح». وفي تسجيل آخر، تحدث الحاخام «غيورا ردلر» حول الهولوكوست، واعتبر: «المحرقة ليست أنهم قتلوا اليهود. فالأفكار الإنسانية والثقافة العلمانية هي المحرقة. والمحرقة الحقيقية هي التعددية الفكرية... دعونا نبدأ من السؤال حول ما إذا كان هتلر على حق أم لا. إنه أكثر شخص محق، وبالتأكيد كان على حق في كل كلمة قالها. وهو محقٌ في أيديولوجيته. هتلر على حق مئة بالمئة، عدا أنه موجود في الجانب غير الصحيح».
ومنذ وقت، باتت إسرائيل رهينة لتوغلها في المشروع الاستيطاني، وفشلت في الوفاء بوعودها الدولية فيما يتعلق بالسكان المحتلين الخاضعين لسيطرتها، فأضحت حياة الفلسطينيين وأراضيهم وأملاكهم مباحة. وقد أثبتت الانتخابات الأخيرة انزياحاً كبيراً للغاية نحو اليمين الذي يتوافق طرحه مع قيم العسكرة الكولونيالية. وفي هذا السياق، كتب المؤرخ وخبير الأمن القومي الإسرائيلي البروفيسور «تشيلو روزنبرغ» يقول: «الحكومة التالية ستكون أكثر تشدداً بكثير إذا أخذنا في الحسبان حقيقة أن أحزاب اليمين تتحدث على رؤوس الأشهاد عن ضم (يهودا والسامرة) أيضاً. ولما كان نتنياهو سيقيم الحكومة التالية كحكومة حصانة ضد تقديمه إلى المحاكمة، فإن احتمال ضم كل المناطق عال جداً».
ومن جانبها، تقول الكاتبة اليسارية «عميره هاس»: «الدخول المتوقع لكهانيين واضحين إلى الكنيست، وبتشجيع من رئيس الحكومة، يدل على انهيار حاجز آخر في المجتمع الإسرائيلي قبل تطبيق نوايا المطالبين بالطرد الجماعي للفلسطينيين». وفي افتتاحية حديثة لأسرة تحرير «هآرتس» ورد: «في المناطق المحتلة الفلسطينيون، هم أصحاب الأرض، لكن المستوطنين (اليهود) باتوا أصحاب البيت. الحقيقة في بلد البؤر الاستيطانية هي أن المستوطنين يعيشون فوق القانون، والفلسطينيون يسحقون تحته. وفي الداخل لا تخاف الشرطة من التحقيق مع رئيس الحكومة، لكنها تتصرف مع المستوطنين مثل ورقة ترتجف في وجه الريح. ولا يتعامل الشاباك (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي) مع هذه الهجمات كإرهاب، ويضع سقفاً عالياً لتدخله من أجل إحباطها في غياب حكومة مسؤولة. عندما يتصرف المستوطنون كعصابات، من مسؤولية هذه المؤسسات كبح الإرهاب اليهودي».
وببلاغة استخلاصية، كتب المؤرخ والباحث في تاريخ الصهيونية وإسرائيل (يغئال عيلام): «الدولة هي، أولاً وقبل أي شيء آخر، سلطة القانون. هذا هو جوهرها. هي ليست سلطة الشعب. أو حُكم الأغلبية. هي ليست حكم النُّخب. هي سلطة القانون. لكن الأمور اختلطت علينا وتشوشت مؤخراً.. لقد رفست إسرائيل وأزالت من تحت أقدامها القاعدة التي تقف عليها أي دولة متحضرة، لأن الدولة التي لا تعترف بأن مضمونها المدني سابق لأي مضمون آخر، كأنما تعلن نفسها دولة غير سوية». ويخلص إلى الآتي: «مع قانون القومية (الإسرائيلي الجديد) يتم شطب المبدأ المُلزم بتحقيق وضمان المساواة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع المواطنين، بغض النظر عن الانتماء الديني، العرقي أو الجنسي. وفي ظل هذا، إسرائيل ليست دولة وإنما شبه دولة لأن الدولة التي تتنكر لجوهرها المدني لا تستحق الاعتراف بها كدولة». وعلى نحو متمم ومحدد، خلص الكاتب الإسرائيلي اليساري (ميخائيل فارشفسكي - ميكادو) إلى أن: «المشروع القومي لإقامة دولة يهودية ولّد نظاماً يمارس الفاشية ويستند إلى نزعة عسكرية عدوانية تهدد أمن أولئك الذين يفترض أنه يمثلهم ويحميهم. إسرائيل باتت تمثّل خطراً مميتاً لأكبر جماعة يهودية على كوكبنا». وأضاف: «أصدقاؤنا في جنوب أفريقيا كانوا يقولون لنا لا تستعملوا مصطلح آبارتايد، فهو حالة خاصة بنا، لكن عندما زارنا القسّ دزموند توتو، قال إن ما يحدث هنا أسوأ من الآبارتايد. إنه نظام كولونيالي مطعّم بالفاشية. هنا توجد مضامين كولونيالية ومضامين فاشية وتطهير عرقي أيضاً».
لن يكون هناك أي حل حقيقي قابل للحياة مع إسرائيل التي تواصل زرع وتسمين المستوطنات، بما يكرس حالات نهب الأرض الفلسطينية وتقييد حرية الفلسطينيين في وطنهم، وبدلا من الأمل في حل سياسي حقيقي، سيحل يأس وتسليم بالوضع القائم الذي يتدهور باستمرار نحو تكريس «آبارتايد» إسرائيلي أسوأ من «آبارتايد» جنوب أفريقيا.