كيف نفهم لجوء إيران إلى استخدام عملائها في ارتكاب هجماتٍ إرهابية تُهدد أمن الطاقة العالمي في التعرض المسلح المزدوج حتى الآن: استهداف أربع ناقلات نفط، بينها ناقلتان سعوديتان وأخرى إماراتية والرابعة نرويجية، ثم بتصعيد مبرمج ومركز قيام جماعة من الحوثيين (وهم عملاء مباشرون لإيران) بشنِّ هجماتٍ بطائرات درون على محطتين لضخ النفط في السعودية. إن نظام خامنئي كأنه أوفى بوعده: لن يصل النفط إلى الخليج، أو إلى العالم إذا لم يصل إلينا. من دون تهديدات الحرس الثوري وسليماني، بتخريب كل شيء إذ استهدفت العقوبات الأميركية في مجال تصدير النفط، لكن من جهةٍ أخرى ويا للمفارقة يحذر وزير الخارجية، ظريف، بأنه قلقٌ من أوضاع المنطقة في الخليج، كأنه يتنصل من عمليات التخريب التي أصابت الناقلات الأربع والمضختين السعوديتين، لكن السؤال لماذا يركز هؤلاء الإرهابيون عبر وكلائهم على كل البلدان المجاورة؟ ولا يركزون على الولايات المتحدة مصدر القرار؟ إنهم يعتدون سواءٌ عبر «الحوثيين» وسواهم من العملاء على دول الخليج، وفي مقدمتهم السعودية، ولا يواجهون الأميركيين مباشرة، سواء في مؤسساتهم أو في مصالحهم؟ أوليست الولايات المتحدة هي التي تفرض عليهم العقوبات الاقتصادية؟
ونظن أن تصريح مسؤول أميركي لرويترز، «إن وكالات الأمن القومي تعتقد أن منفذ الهجوم على الناقلات الأربع قبالة سواحل إيران قد يكونون من وكلاء إيران والمهم أنهم وكلاء إيران وليست إيران هي التي قامت بالهجوم»، كأنه يفصل النظام الإيراني عن عملائه بل أكثر، يستند الإيرانيون إلى تصريحات بعض القادة الأميركيين: «بأننا سنرد على إيران إذا استهدفت مصالحنا». وهذا ما حفظته إيران غيباً نعتدي على من يعتبرون حلفاء أميركا كبديل من التصدي مباشرة لها. وهكذا لا نعطي للدولة الكبرى ذريعة لمواجهتنا، إنها استراتيجية إيران المتبعة منذ الخميني: نهدد إسرائيل بتدميرها لكن نُفلت وكلاءنا (حماس والجهاد) ليرشقوها بصواريخ صبيانية أو بصواريخ مجهولة، ثم ننفي مسؤولياتنا فنتجنب مواجهة مباشرة مع إسرائيل بالوكلاء والعملاء نحمي أماننا، بل يحمون جُبنهم: عام 2006 استجرّ «حزب الله» إسرائيل لحربٍ قررتها إيران ونفّذها الحزب، وأسفرت عن 1700 قتيل و2000 جريح لبناني وتكبيد البلد خسائر بمليارات الدولارات، جراء التدمير الإسرائيلي المنظم للجسور والمعامل ومحطات الكهرباء والمؤسسات والمصانع. ولم تتكبد إسرائيل سوى 70 قتيلاً وبضعة عشرات الملايين من الدولارات. مع هذا أعلن الحزب انتصاره: انتصر الحزب وخسر لبنان.
فإيران تقاتل بشيعة لبنان حتى آخر نقطة من دمائهم، وكذلك بالحوثيين والحشد الشعبي العراقي كل ذلك لتبقى هي مصونة وبعيدة. فغيرها يحارب عنها بالوكالة لقاء الأموال (700 مليون دولار لـ«حزب الله» سنوياً، وعلى غرارها «حماس» و«الجهاد»). وها هي اليوم تريد مواجهة أميركا من دون أن تواجهها ومحاربة إسرائيل من دون أن تحاربها. وهنا بالذات الخطأ الذي يرتكبه الأميركيون وغيرهم عندما يميزون بين الملالي وعملائهم. ونظن أن هذه الاستعراضات العسكرية في طهران من أسلحة وصواريخ بالستية لن توجه في رأينا لا إلى أميركا، ولا إلى أوروبا، ولا إلى إسرائيل، بل إلى دول الجوار مثل اليمن والسعودية والإمارات والكويت.
فهناك ساحات مشاريعها الامبراطورية التي كادت تحقق نسبياً شيئاً منها أيام الرئيس أوباما المتواطئ الأكبر مع إيران، ثم تحطم هلالها المذهبي بفقدانها الهيمنة المطلقة على العراق وعلى سوريا وحتى لبنان: عادت ومشروعها الفارسي بخُفّي حُنين، وباتت في مواقع الدفاع عن نفسها بعدما كانت عاصفةً مجنونة تجتاح بلاد العرب والإسلام.
لكن الهجومين الأخيرين على الناقلات، وعلى المحطتين لضخ النفط في السعودية ارتدا عليها كأن ما ارتكبته لم يكن سوى صبيانية: فها هو العالم العربي والإسلامي وأبعد منها يدين ويستنكر اعتداءاتها المقنعة، بل أكثر إن ما فعلته دولة الملالي كان ذا هدفٍ سياسي بقدر ما كان تخريبياً. بمعنىً آخر، نؤكد أن خامنئي لن يجرؤ على إغلاق مضيق هرمز، لأن ذلك سيعتبر تحدياً للعالم كله فاستبدل ذلك بهجماته الأخيرة التي لم تستهدف المملكة فقط ولا الإمارات إنما «أمان إمدادات الطاقة والاقتصاد العالم» يعتدي على بلدان الخليج ليؤثر على أميركا. فلماذا لا يقصّر الدرب، ويقوم بالهجوم المباشر على أميركا ليؤثر في دول الخليج؟. فهل يجرؤ وهو الذي يعاني عزلة داخلية صارخة، حيث لا أحد يستبعد استكمال الربيع الإيراني، ويُعاني عُزلةً خارجية: النظام في عنق الزجاجة، وهو عاجز عن كسرها.