يوماً بعد آخر تتضح صورة «صفقة القرن» المزعومة للمضي بها تجارياً واقتصادياً. هذه المرة نطلع على النسخة الإسرائيلية للدولة الفلسطينية، وفقاً لما نشرته بعض الصحف الإسرائيلية وبالذات صحيفة «إسرائيل اليوم» على لسان «كوشنر»، وهو سيناريو يطرح لأول وهلة، يفترض عقد اجتماع ثلاثي بين «حماس» المصنفة إرهابية، والسلطة الفلسطينية مع إسرائيل للإعلان عن الدولة الفلسطينية «الجديدة»، وهي النسخة التي تريدها إسرائيل، ومختلفة عن دولة تقع على حدود الـ67 وعاصمتها القدس الشرقية.
منافذ هذه الدولة المصنوعة أضلاعها في إسرائيل، ومطبخ السياسة الأميركية في سيناء لا على سبيل ضم جزء من أرضيها لا، بل بتأجير بضع كيلومترات منها لبناء موانئ جوية وبرية وبحرية فيها مقابل بعض المليارات تدفعها أميركا والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية لمصر.
أكثر من سبعين عاماً والفلسطينيون يطالبون بدولة مستقلة على حدود 67 وفق الشروط المستحقة، دولة عاصمتها القدس الشرقية مع عودة للاجئين، وقد أقرت الأمم المتحدة للفلسطينيين بكل ذلك، وأصدرت القرارات التي تعطي حقهم في دولة مستقلة كاملة السيادة.
فالنسخة الجديدة لا علاقة لها بأي قانون أو قرار دولي ولا عرف مرعي، فسلاح الواقع هو ساري المفعول هنا فقط لا غير، وبالمطلق ليس في مصلحة الفلسطينيين، خاصة بعد إلقاء سلاح المقاومة واستبداله بغصن الزيتون، وتحصين إسرائيل بالقبة الحديدية.
لم تعد هناك قدس شرقية ولا غربية، بل كلها إسرائيلية موحدة، بالإضافة إلى استقطاع 12% من الضفة الغربية لمصلحة المستوطنات الإسرائيلية التي غرست لهذا اليوم.
عندما كانت الثورة الفلسطينية في بدايتها مضرباً للأمثال والبطولات التي كانت تمرر على أذهاننا، لم نسمع عن مخططات تلو الأخرى مع وجود المخطط الرئيس للاحتلال الصهيوني، ثم تحولت تلك الثورة إلى سلطة تحاور وتناور وتجالس الإسرائيليين حتى مضت على تلك المحادثات عقود عدداً خرج الفلسطينيون منها بخفي حُنين.
ومع مضي إسرائيل في صناعة واقع جديد على الأرض لم تعد نتائج تلك الجدليات تثبت قواعدها في تلك الأرض المطلوب فك أسرها.
إسرائيل في فلسطين الجديدة تريد تحويل السلطة الفلسطينية إلى «سَلَطة» مشوهة تسميها دولة بلا معالم، لا عاصمة، ولا حدود مرسومة لذا هي لا حاجة لها إلى جيش لأنها بلا سيادة.
فلسطين من غير القدس والمسجد الأقصى لا تستقيم ، ويستحيل لمليار ونصف مليار مسلم الموافقة على ذلك.
يكفي بأن الشعب الفلسطيني في الداخل وفي المخيمات وفي المهجر يطالب بفلسطين 1917، وليس فلسطين 1948 ولا 1967، وهو ما يطلق عليه بفلسطين التاريخية، وهو ما نسميه عندما نقول بأن السياسة لا تلغي التاريخ وإن طمسته سنين.
لقد فصلت إسرائيل بهذا السيناريو الجذور العربية والإسلامية، وكذلك المسيحية واليهودية من فلسطين وبالغت في صهينتها، وهو إشكال لا يحل عبر السياسات التي تذهب بالقضية باتجاه واحد إلى نفق مظلم في نهايته سد بلا مخرج يرضي الطرفين.
والأكثر إثارة استحضار الصهاينة نصوص التلمود في ثنايا السيناريوهات السياسية، وهو ما يؤدي لاستفزاز «حماس» أكثر من جماعة «فتح». أما ما يتعلق بسلاح «حماس»، فالمطلوب منها تسليمها لمصر، بحيث يكون بيد السلطة التي يراد لها أن تكون الدولة الجديدة أسلحة من العيار الخفيف «تدوش» ولا تخدش.
هل سمعتم في تاريخ البشرية عن إنشاء دولة بلا مخالب، وهل تقبل إسرائيل ذلك لنفسها حتى تتحكم في مصير الفلسطينيين وفقاً لأهوائها الملوثة بعنصرية الصهاينة الذين أسسوا دولة رغم أنف اليهود المتدينين الذين يعتقدون بأن نهايتهم في دولتهم.