عندما ترك «جائير بولسونارو» الجيش قبل نحو ثلاثين عاماً تحت سحابة من الشك فيه، استند في حياته السياسة بعد ذلك على صورته كجندي سابق، والذي وعد باستعادة النظام لشعار «النظام والتقدم»، وهو الشعار الذي وضعه التجريبيون من ذوي العقلية العسكرية عام 1889 على الراية الوطنية (العلم). ولكن منذ توليه الرئاسة، أصبحت المفارقة الأكثر ديمومة في البرازيل الجديدة هي كيف أن كبار رجال الجيش، الذين عينهم بولسونارو في حكومته كرموز للاحترام وقوة الشد السياسي، أصبحوا الآن في خطر التنازل عن الأمرين.
تصنّف الاستطلاعات الوطنية القوات المسلحة باعتبارها المؤسسة الأكثر جدارة بالثقة في البرازيل، وتتفوق على القضاء والإعلام والشركات الخاصة والأحزاب السياسية. ولم تسطع هالتها إلا خلال السلسلة الأخيرة من فضائح الفساد التي أرسلت العشرات من السياسيين والمسؤولين التنفيذيين الفاسدين إلى السجن. واستثمر بولسونارو الطابع المميز للجيش للحصول على أصوات، وبعد ذلك عين أعضاءه في حكومته.
صحيح أن معظم اختياراته كانت من الضباط المتقاعدين، لكن لا أحد فاتته الرسالة عندما عين الجنرالات الحاصلين على ثلاث أو أربع نجوم في المناصب الرئيسة. وتضمنت تلك المناصب نائب الرئيس «هاملتون موراو» (أربع نجوم) والمتحدث الرئاسي، بينما تولى ضباط جيش سابقون أو حاليون رئاسة 8 من 22 وزارة، أي «أكثر من أي حكومة مدنية أخرى»، هذا ناهيك عن وزارة البيئة، حيث يشغل ضباط الجيش 15 وظيفة عليا.
الديمقراطية في البلاد أعيد تأهيلها قبل ثلاثة عقود فقط. وقد وضعت البرازيل سبعة دساتير منذ الملكية، واحتفظت جميعها ما عدا اثنين فقط بدور محدد للقوات المسلحة في السياسة الوطنية.
ولحسن الحظ، ثبت أن المخاوف مبالغ فيها. فبعد 100 يوم من الحكومة الجديدة، من الواضح أن القوات المسلحة لا تشكل تهديداً للديمقراطية». ومن المفارقات أن الجيش كان له تأثير مستمر على الحكومة، ليحدث توازناً مع المؤيدين لأيديولوجية بولسونارو ويستبعد المغامرات المسلحة. وعلى سبيل المثال، ألغى «موراو» وزملاؤه من الجنرالات في الحكومة ما ذكرته الولايات المتحدة عن الانضمام إلى غزو فنزويلا وأوقفوا نقل السفارة الإسرائيلية من تل أبيب إلى القدس، مما طمأن عملاء وحلفاء البرازيل في العالم العربي. واعترض الجنرالات أيضاً على المتشككين في المناخ لضمان أن تظل البرازيل في اتفاقية باريس للتغير المناخي.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»