إن الثورة السلمية التي تدور رحاها حالياً في السودان ليست المحاولة الأولى لتحرير البلاد من قبضة نظام البشير، وهي جزء من سلسلة محاولات خلال العقود الثلاثة الماضية سحقتها الطلقات وقوبلت بسفك الدماء، وهو ما تسبب في حسرة وألم للسودانيين.
لكن ليس من دون أمل، فالشعب السوداني مرن. ومرة تلو الأخرى، صمدنا ونفضنا الغبار عن كاهلنا، وتعلمنا من أخطائنا. ونظّمنا صفوفنا، واستنبطنا الحكمة من تراث تعاونننا وقيمنا المجتمعية وعملنا المدني. وبنينا شبكاتنا بلا كلل، وواجهنا أحد أشد الأنظمة سيئة السمعة في المنطقة، وفي نهاية المطاف، أصبحنا على شفا التغيير.
وقوبلت الانتفاضة الأخيرة أيضاً بالقمع والذخيرة الحية. وتعرض المتظاهرون للسجن والضرب والتعذيب، وبعضهم قُضي نتيجة لذلك. لكننا واصلنا التظاهر، وبعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية، أطاح الجيش السوداني الرئيس عمر حسن البشير، ثم أصبح عوض بن عوف، حليف البشير، رئيساً للدولة، ولكن ليوم واحد فقط. ففي 12 أبريل، أذعن عوض بن عوف أمام استمرار الاحتجاجات، وتولى الجنرال عبدالفتاح البرهان السلطة.
وعلى رغم من ذلك، لا يزال الطريق طويلاً أمام الحرية والديمقراطية في السودان، في ظل محاولات الوجوه القديمة إعادة إنتاج نفسها مرة أخرى.
ويقود الدولة في الوقت الراهن مجلس عسكري انتقالي، وفي حين وعد المجلس بتعيين رئيس وزراء ومجلس وزراء مدنيين، إلا أنه اختلف مع المتظاهرين حول مدة صياغة الدستور، وحذر من أن تؤدي المظاهرات إلى إغلاق الطرق، وأشار إلى أن الشريعة الإسلامية يجب أن تكون أساساً للتشريع الجديد.
والسودان الجديد الذي أتصوّره ويتصوّره السودانيون ينبغي أن يكون بلداً ديمقراطياً مزدهراً، يكون مصدراً للاستقرار في المنطقة ولأمن شعبه. سودان يستغل موارده للتنمية بدلاً من بيعها لمن يقدم أعلى سعر. سودان حليف للجهود العالمية من أجل التنمية والسلام الدولي.
وفي منتصف أبريل، منح الاتحاد الأفريقي المجلس العسكري في السودان مهلة مدتها 15 يوماً لتأسيس حكم يقوده المدنيون قبل أن يعلّق عضوية السودان. وفي الأول من مايو الجاري، مدّد الاتحاد الأفريقي المهلة لمدة 60 يوماً إضافية.
وقد آن الأوان قد تتدخل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. فقد تدخلت أميركا في السودان في الماضي، وأيدت دولاً أخرى في المنطقة. وربما يعتقد صنّاع السياسات أنه من الأفضل السماح بفترة انتقالية يقودها الشعب السوداني، وربما لا تُسيطر عليها القوى الديمقراطية.
وهنا يمكن أن يقدم الكونجرس الأميركي المساعدة، فعليه أن يدعو إلى وضع نهاية لانتهاكات حقوق الإنسان وأن يُخضع المسؤولين عن الانتهاكات السابقة للمحاسبة. والقرار الذي تم تقديمه أخيراً بموافقة كلا الحزبين في مجلس الشيوخ من قبل السيناتور «الجمهوري» «تيد كروز» والسيناتور «الديمقراطي» «ريتشارد دوربين» هو نقطة انطلاق جيدة، ومن شأنه أن يقدم دعماً جيداً لأصوات الشعب السوداني. وعلى الكونجرس أن يُمرّر القرار سريعاً بهدف توجيه رسالة مفادها أن العالم يُراقب.
والدعم الاقتصادي وتقديم المساعدات أمران ضروريان لمساعدة الشعب السوداني على الخروج من كبوته، لكن لا ينبغي تقديمهما قبل الأوان. فأي دعم اقتصادي يجب أن يكون مشروطاً بتسليم السلطة لحكومة تحظى بتأييد الشعب.
وأخيراً، على صنّاع السياسة الأميركيين استغلال إمكاناتهم ونفوذهم من أجل الدفع بعملية انتقال سلمي للسلطة، لاسيما أن ذلك هو مفتاح المساعدة في توجيه السودان نحو عصر جديد مزدهر وديمقراطي ومفعم بالأمل.
عُزاز شامي
حقوقية أميركية من أصل سوداني
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»