هل جاء الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» لسدة الحكم لهدفٍ واحدٍ واضح المعالم والتفاصيل، وهو إلغاء وإخفاء خط طول وعرض الوجود الفلسطيني في المناطق التي تتواجد فيها حالياً السلطة السياسية الفلسطينية؟! ويبدو أن كل الأحداث التي تجري في المنطقة منذ سنوات ما هي إلاّ تمهيدٌ لصفقةٍ تمّت فعلياً، وكل من ساهم في الوضع الحالي كان يعلم بأنه سيناريو مثالي لقبول صفقة القرن كخيارٍ وحيدٍ بعد نسف البنية التحتيّة لأي خيارٍ آخر، وتجميد كل السبل المؤدية لحلٍ ثانٍ!
فقبل قيام الدولة الصهيونية عام 1948 لم تتعد نسبة الأراضي التي تمّ بيعها لليهود 7.5% من مساحة البلاد، وصفقة القرن في نسختها الأصلية بدأت منذ أن أصدرت الدولة العثمانية قانوناً لتنظيم ملكية الأراضي في عام 1858، والذي بموجبه قُسّمت أراضي الدولة إلى خمسة أقسام، وفي عام 1861 أصدرت الدولة العثمانية قانون تسجيل الأراضي والحقوق والواجبات المترتبة عليه (قانون الطابو)، حيث فرضت بموجبه على كل صاحب أرض في فلسطين تسجيل أرضه باسمه في دائرة تسجيل الأراضي مقابل ضرائب تعجيزية لم يكن يملكها معظم الفلاحين البسطاء، كما قررت نقل ملكية كل قطعة أرض أميرية يمتنع صاحبها عن فلاحتها لمدة ثلاث سنوات متتالية إلى الدولة، كما فرضت السلطات العثمانية ضرائب مبالغاً فيها على المحاصيل، حيث عجز الكثير من الفلاحين الفلسطينيين عن سدادها، فتنازلوا عن زراعة مساحات كبيرة من أراضيهم، فقامت الدولة بمصادرتها وبيعها في المزاد بأثمان زهيدة، ولذلك فإن بيع فلسطين لم يبدأ مع الوعود التي أبرمت تحت سيطرة الانتداب البريطاني.
ورجوعاً لخطة إدارة «ترامب» أو ما أسمته «خطة السلام في الشرق الأوسط»، فهي إطارٌ لاتفاقية الوضع النهائي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ووضعت الخطة في مُسّودة تتكون من (175-200) صفحة وهي منحازة بشدة لصالح إسرائيل، ولم يكن قرار الرئيس الأميركي «ترامب» نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، واعتراف الولايات المتحدة الأميركية بالقدس عاصمة لإسرائيل، إلّا مقدمة لهذه الصفقة، على الرغم من تصريحات القيادات الفلسطينية والعربية برفض بنود عملية السلام المزعومة إلّا أن هذا الرفض هو الجزء المتعّارف عليه والمخصّص للجمهور والإعلام. أمّا فلسطين الجديدة والتي ستوضع حدودها خلف الكواليس فستكون صغيرة بشكل لا يصدق، وستضم إسرائيل غور الأردن بالكامل (حوالي 30% من الضفة الغربية)، بالإضافة إلى ضمّ جميع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية والتي تغطي الآن أكثر من نصف ما يعترف به سياسياً كأراضٍ فلسطينية.
والمتوقع من خلال صفقة القرن أن تدفع السلطة الفلسطينية الجديدة الضرائب وتكاليف المياه لبلدية القدس، ولن يُسمح لليهود بشراء المنازل العربية، كما لن يُسمح للعرب بشراء المنازل اليهودية، ولن يتم ضمّ مناطق إضافية إلى القدس، وسيستمر الوضع الحالي للأماكن المقدسة على ما هو عليه.
وفي ما يخصّ غزة ستقوم مصر باستئجار أرض جديدة لفلسطين لإنشاء مطار ومصانع وخدمات القطاعات التجارية والزراعية دون السماح للفلسطينيين بالإقامة على هذه الأرض، وسيتم تحديد حدود هذه الأراضي وسعر التأجير بين الطرفين من خلال وساطة الدول الداعمة، وسيقع معظم عبء الدعم المالي على عاتق الدول الرئيسية المستفيدة من هذا الاتفاق، وسيتم توقيع معاهدة حماية بين إسرائيل وفلسطين الجديدة والتي ستدفع فلسطين جزية بموجبها لإسرائيل للدفاع عنها، وستنزع من «حماس» جميع أسلحتها بما في ذلك الأسلحة الشخصية، وستكون حدود قطاع غزة بما في ذلك الحدود البحرية مفتوحة أمام حركة البضائع والعمال إلى مصر وإسرائيل، مثل الوضع الحالي ليهودا والسامرة، وفي غضون عامٍ واحدٍ سيتم إجراء انتخابات ديمقراطية، وبعد مرور عامٍ على الانتخابات وتأسيس الحكومة سيتم إطلاق سراح الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية تدريجياً على مدار ثلاث سنوات.
وإذا رفضت كل من «حماس» ومنظمة التحرير الفلسطينية التوقيع على «صفعة القرن»، فإن الولايات المتحدة سوف تلغي كل الدعم المالي للفلسطينيين وتضمن عدم قيام أي دولة وذلك بعدم تحويل الأموال إليهم وحصارٍ سيجعلهم سلطة بلا دولة. وإذا وقعّت منظمة التحرير الفلسطينية الصفقة بينما رفضتها «حماس» أو «الجهاد الإسلامي»، فسيتم اعتبار قادة هاتين الحركتين مسؤولين عن حرب جديدة بين إسرائيل وقطاع غزة، وسيتم استهداف هؤلاء القادة. إذا هي مجرد مسألة وقت وجميع الأطراف لن تملك أن ترفض الصفقة، عطفاً على تاريخ العمل السري في مثل هذه الصفقات وكمية الأموال التي ستوزع لضمان عقد الصفقة.