يبدو الموقف العراقي حالياً في غاية الحيرة، فبعد سنوات من استحواذ إيران على الدور والنفوس، ليس بمقدور رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي سوى ممارسة اللعب على الحبال المشدودة، استرضاءً لهذه الكتلة أو تلك، والنأي بالنفس مرة واللعب المزدوج مرة أخرى.. مما قد ينتهي بالسقوط، كما حصل للرئيس عمر البشير والرئيس علي عبدالله صالح.
التشبيكات الداخلية التي حبكتها إيران وفق «أيديولوجيتها» المذهبية السياسية، تشبه بيت النمل، وسيصعب على عبدالمهدي الإفلات من هذا الشَرَك المعقد، لأن وضع العراق مرتهن للخارج، كما اتضح خلال تشكيل الحكومة الذي أخذ وقتاً طويلاً، حتى أن سيادة العراق باتت تتداخل مع الخارج وحسابات دوله، ما يضع بغداد على مفترق طرق مصيري وحساس.
في عملية فيزيائية بسيطة، يتم ربط مادة بثلاثة أطراف، وكل طرف يحاول جرها له، لكنها تراوح مكانها في المركز الذي يمثل الحياد. هكذا تقريباً الحالة العراقية بين ثلاث قوى مؤثرة، أثنتان متوافقتان في التوجه والهدف، وإن تباينتا في التعبير والأداء، وهما الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، أما الثالثة فهي إيران.
واشنطن مصممة على استراتيجيتها، وبذلك صرح «كنيث مكنزي» قائد القيادة المركزية بقوله: «وجودنا في المنطقة سيكون طويلاً، جئنا لمكافحة الإرهاب وللحد من تصدير إيران لوسائل خطرة وشنيعة». أميركا تهدف إلى ربط العراق بالنظام الدولي لإخراجه من حقبة «الأيرنة»، والمطلوب من رئيس الوزراء عبدالمهدي أن يتدارك الأمر، ويبدأ بتفكيك المليشيات العراقية المرتبطة بـ«الحرس الثوري» الإيراني الذي صنّفته أميركا منظمةً إرهابية.
لكن ذلك التفكيك لن يتحقق، ما لم ينفرط عقد «الحرس الثوري» في سوريا. وإذا صعب الأمر على السيد عبدالمهدي، فيمكنه فرض حالة الطوارئ وطلب تدخل دولي، وسيساعده في ذلك وجود رغبة جادة وإصرار كبير من الشارع العراقي على تعزيز العلاقات بأشقائه من دول الخليج العربي. والشيعة كجمهور عروبي لا يريدون الوجود الإيراني في العراق، ولعل هذا ما دعا «الحشد الشعبي» للانكفاء نحو الأحواز خوفاً من تحرك شعبي ضده، وتحسباً من ضربات أميركية في الوقت نفسه، وبغرض مساعدة النظام الإيراني في التصدي لشعب الأحواز في انتفاضته المتواصلة.
ويبدو أن الخيارات أمام العراق صعبة حالياً، بالنظر لاعتماده جزئياً في مجال الطاقة الكهربائية على إيران، إذ يستورد منها نحو 5 آلاف كيلوواط. هذا، وقد وعدته السعودية في اجتماعات اللجنة المشتركة العليا، بتأمين احتياجاته من الكهرباء. كما قررت تقديم أشكال أخرى من الدعم تتعلق بالاستثمار والمساعدات والبنية التحتية.. بهدف إعادة العراق إلى الحضن العربي.
وتهدف واشنطن إلى نقل العراق نحو حقبة جديدة متوافقة مع النظام الدولي، في سياق إقليمي جديد خال من المليشيات وولاية الفقيه وأذرعها الإرهابية في المنطقة. وإن كان قد تم دحر «داعش» وهزيمتها، فما تزال إيران بحاجة إلى عملية جراحية كبيرة!
في هذا السياق، بدأت إيران تشوش على الجهود السعودية والأميركية، بتصريحات مقتدى الصدر ومقترحه لإنقاذ العراق ذات الدلالة الإيرانية، وظهور جديد لأبوبكر البغدادي كرسالة.. وتصريح وزير خارجية إيران «ظريف» حول التفاوض مع أميركا بشأن المعتقلين، والذي ردت عليه الولايات المتحدة بالقول إن «خامنئي لديه 200 مليار دولار من أموال الشعب الإيراني»!

*سفير سابق