في جنباتها الساحرة تستحضر مخيلتنا منبع نهر النيل الممتد من بحيرة فيكتوريا، إنها أوغندا، التي أراها منبعاً آخر لمشروع «الأمن العربي»، وهي لا تزال رغم ما تعدته من عوائق وحروب أهلية، ترفع علمها المزدهي بألوانه، ممثلاً وعاكساً حقيقياً عن طبيعة الحياة التي تسود أراضيها، مبتدئاً بالأسود تلويحاً بجمال البشرة الأفريقية، والأصفر دالاً على شمس القارة السمراء وصحرائها، والأحمر على هيئة رسالة مشددةٍ على رصانة الأخوة الأفريقية التي ترقى بها أوغندا اليوم لنموذج «أخوة إنسانية»، ومختوماً بصورة طائر الكركي ذي الطبع المسالم الذي لا ينزع إلا للسلم والوئام، الذي استخدم منذ فترة الاستعمار البريطاني للبلاد ممثلاً عن الجنود الأوغنديين ليغدو بطبعه النازع للانسجام والتناغم رمزاً عن كل إنسان على أراضيها.
ومع بروز النموذج الأوغندي المتعايش والمحتضن بحب للتعدديات - وهو أهم ما يتوافر في أنموذج أمن عربي - لزم صون أراضيه من اندساس المشاريع المتسربة من الدول الداعمة للإرهاب، ومن براثن الجماعات المتطرفة الهاربة من «بوكوحرام» و«داعش» وغيرهما حفاظاً على وحدته الفكرية والوجدانية والترابية، وسمواً برؤى شبابه وقادته، وتعزيزاً للثقة التي استحقتها مكنونات أفريقيا وعلى رأسها الشباب. كما أن تكثيف الرعاية والاهتمام بصب خرسانة «أوغندا المستقبل»، يعد المانع لتفشي عدة أوبئة على رأسها وباء التطرف، المبني على فسحة استغلال الأراضي الأوغندية، ونهب خيراتها وثرواتها للمصالح «المبطنة» للدول الداعمة للإرهاب متخفية بقناع «الأعمال الخيرية» بدءاً بتقييد عقولها، وتجييش فكر شبانها، وتهميش نسائها، والحيلولة دون وقوفها على عوامل التنمية والازدهار، وبخاصة في ظل ما تحويه من كنز حقيقي ومتعدد من ثروة زراعية، وحيوانية، وسمكية، ومائية بالمرتبة الأولى.
وفي مقابل ذلك قدمت بعض الدول العديد من البرامج، الهادفة لوقاية الشباب من الأفكار المتطرفة، مثبتةً سعيها الجاد ومحاولتها تطبيق هذه البرامج على أبرز المجالات، وبخاصة بعد صدى أحداث 11 سبتمبر الإرهابية عام 2001، فشملت تعديل المناهج التعليمية، واتباع العديد من السياسات المعنية بضبط الخطاب الديني، وإعادة تأهيل المتطرفين، والتوقيع على الاتفاقيات. وفي حين لم تكن فاعلية ما ذكر سابقاً تلبي جل المرنو إليه، تبرز بما لا يدع مجالاً للشك بأن العامل الأوحد والأقوى في إنجاح مشروع النهضة والتنمية وإحلال السلم والتعايش هو أن تشترك العوامل السابقة جميعها وتتوج بتكثيف التعاون بين الدول وتقوية روابطها ومنع التدخل في شؤونها الداخلية من قبل الجماعات الظلامية.
أضف إلى ذلك الاستفادة من تجارب الدول، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، ما قدمته دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ لم تغفل الجوانب العملية بل وزامنتها مع التعاون والتشبيك الأمثل بين الطاقات، مفرزة نموذج «قوة ناعمة»، وإدارة تحولات يحتذى به. ولنا أن نعرف بأن هنالك أكثر من 65% من وزارات حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة تشغلها السيدات، وخمسة وزراء من الشباب، إدراكاً من القيادة الحكومية لأهمية دور المرأة والشباب كقوة ناعمة في المجتمع، إضافة لما تعمل عليه الحكومة، من ترجمة أعمال وقيم وتحديات الشباب والمجتمع إلى سياسات ومبادرات مثل مركز «هداية»، و«صواب»، و«المعهد الدولي للتسامح».
وفي سياق الحديث عن التنمية، لا بد من البدء بالمرأة راعية العقول الدافعة لذلك، وبخاصة في ظل ما تصارعه من ظروف اقتصادية، وانتشار أمراض تثقل عليها مسؤوليتها في بناء الأجيال وصونهم وتجعل من مهمتها عبئاً يقف بجانب العديد من التحديات. أوغندا التي تحتل المرتبة الثانية على مستوى العالم في نسبة الخصوبة، مشكلةً ما نسبته 45 في المائة، من سكانها طبقة فتية دون الـ15 سنة، مما يعاظم أهمية الالتفات لـ«أوغندا الثروات»، التي تعتبر أرضية غنية بالطاقات والسواعد، التي إما أن نمنحها فسيلة خضراء أو سلاحاً أسود، ومصفوفة فكرية غضة، إما أن تترك لتغذى بأفكار الكراهية والتطرف أو لتشبع بـ«ثقة» وإرادة تسطر إنجازات عالمية بهممنا واهتمامنا ورعايتنا الحقة.