هناك من يطرح تساؤلاً مؤداه: ألا يعد إنفاق المليارات من اليوروهات لإعادة بناء كاتدرائية نوتردام إهداراً للمال؟ إننا لا أوافق على هذا. وأحد الأسباب هو أنني أعتقد أن الكاتدرائية مهمة، وإنني أعتبر الأعمال الخيرية الخاصة خيراً مطلقاً.
لقد أدى حريق الكاتدرائية إلى تدفق ملحوظ من التعهدات من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك بعض من أغني العائلات في فرنسا وأماكن أخرى. وحتى الآن، تم التعهد بتقديم أكثر من مليار يورو ليتم تخصيصها لما يتوقع أن يكون جهداً مطولاً لإعادة البناء. وقد تصل التكلفة إلى 8 مليارات يورو.
من الصعب أن نصدق أن أي حركة شعبية كانت ستتخذ وجهة نظر مفادها بأن إعادة بناء أكثر المعالم شهرة في العالم يعد خطأ عالمياً. إذا كان الأمر كذلك، فإن الغضب لا ينبع من حقيقة أن الأثرياء يساهمون بأموالهم في إعادة بناء كنز وطني، ولكن من حقيقة أن الكنز الوطني الذي يسعون إلى إعادة بنائه هو كاتدرائية. (على الرغم من أن الكاتدرائية مملوكة لحكومة فرنسا).
علاوة على ذلك، فإن العطاء الخيري هو خير مطلق – ليس فقط من أجل الأسباب التي يختارها المانح، بل أيضاً من أجل تعزيز القيم التي يمثلها. وإذا كان كل العطاء يخضع لأهواء عامة، فلن يتم تمويل سوى الجمعيات الخيرة المفضلة للعامة.
ولا يقتصر التمويل الخاص على سد الثغرات التي تغيب عن المسؤولين، بل إنه يحفز المزيد من التمويل الخاص. ويوضح مثال كاتردرائية نوتردام أن الطريقة التي يتم بها التسابق بين الأثرياء للتفوق على بعضهم بعضاً تعكس التأثير المعروف للإحسان: فإذا كان الأثرياء يخجلون أحياناً من إسرافهم، يمكنهم إظهار ثرواتهم بطريقة مقبولة اجتماعياً من خلال حجم مساهماتهم. لذا، فمجرد أن يتبرع ملياردير واحد بملايين من اليوروهات لإعادة بناء الكاتدرائية، فإن الآخرين سيحذون حذوه، أيضاً، وهو ما حدث بالفعل.
ومن ناحية أخرى، فإن المساهمات الخاصة يمكن أن تشير إلى اتجاهات في تبرعاتنا لم نكن نفكر فيها. ووفقاً لنظرية العطاء المرتبطة بالخبير الاقتصادي «جيمس أندريوني»، فإن الناس يقدمون تبرعات بسبب «الشعور الدافئ» بمعرفة أنهم قدموا يد المساعدة. فنحن نعطي لأن العطاء يجعلنا نشعر بالسعادة. وتساعد هذه النظرية على تفسير التداعيات السعيدة الناجمة عن تدفق المساهمات الكبيرة لإعادة بناء نوتردام: حيث تدفقت المساهمات الصغيرة لإعادة البناء في أماكن أخرى.
في الأسابيع التي سبقت حريق نوتردام، احترقت ثلاث كنائس للسود في لويزيانا. وفي اليوم الذي سبق أخبار الكارثة في باريس، قامت حملة «جو فاند مي» (هيا مولني) بجمع 50,000 دولار فقط. وبعد مرور ثلاثة أيام، بلغت التبرعات مليون دولار. هل يعتقد أي شخص أن التعهدات كانت ستصل إلى هذا الرقم لو لم تبرز كارثة باريس أهمية قضية الكنائس المحترقة بالنسبة للمانحين المحتملين؟
وسيكون أحد اختبارات نظرية الأهمية هو ما إذا كان هناك تدفق كبير من المساهمات لإعادة بناء الكنائس التي دمرتها التفجيرات المروعة التي استهدفت عدداً من الكنائس والفنادق في سريلانكا، وأودت بحياة 300 شخص تقريباً.
هناك حالياً جهود جارية لجمع التبرعات التي ترمي إلى إعادة بناء الكنائس التي دُمرت في سريلانكا. ومن المهم إعادة بناء تلك الكنائس، كما حدث مع كنائس لويزيانا – ليس فقط حتى لا يمكن السماح للإرهابيين بالانتصار. فحتى المباني المقدسة التي تم تدميرها أو إتلافها في حرائق عرضية، مثل نوتردام، يمكن أن يكون لها معنى بالنسبة للأشخاص الذين ليس لهم صلة دينية معينة بها. إن الرمز يهم.
* أستاذ القانون بجامعة يل- وكان موظفاً في المحكمة العليا الأميركية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»