في الصباح الباكر من أحد أيام الأحد في 1932، ضرب أسطولٌ يتألف من نحو 150 مقاتلة وقاذفة قنابل وقاذفة طوربيد القاعدةَ البحرية في «برل هاربر». السفن الراسية في القاعدة تعرضت لضربات مباشرة. كما ضُربت أيضاً خزانات الوقود وطائرات سلاح الجو في الجيش الرابضة على مقربة من الميناء في مطار هيكام.
المفاجأة كانت كاملة بقدر ما كانت مدمرة. غير أن الأمر كان يتعلق بمناورات عسكرية للجيش وسلاح البحرية، والمهاجمون كانوا طيارين أميركيين يعملون انطلاقاً من حاملتي الطائرات ساراتوجا وليكسينجتون، والقنابل التي ألقتها كانت عبارة عن أكياس دقيق.
الدرس المستخلص من «التمرين المشترك الكبير 4»، وهو الاسم الذي أطلق على تلك المناورات، هو أن العِلم المسبق بالشيء لا يعني دائماً الاستعداد الجيد له. فقد تطلب الأمر غرق معظم السفن الحربية الأميركية بعد نحو عقد، حتى يستخلص المخططون العسكريون الأميركيون الدرسَ جيداً ويستوعبوه: أن عصر حاملات الطائرات قد بدأ.
الآن دعونا نذهب بسرعة إلى الأمام، إلى 2006، عندما صعدت غواصة صينية صغيرة تشتغل بالديزل والكهرباء إلى السطح داخل مدى طوربيدات حاملة الطائرات الأميركية «كيتي هوك» البالغ وزنها 80 ألف طن، بعد أن أخفقت حاملة الطائرات أو القطع البحرية المرافقة لها في رصدها. هذا الحدث كان ينبغي أن يشكّل تحذيراً قوياً للبحرية الأميركية مؤداه أن عصر حاملات الطائرات الكبيرة قد شارف نهايته، تماماً مثلما كان عصر السفن الحربية قد شارف نهايته في الثلاثينيات.
ولكن السؤال الوحيد هو ما إن كنا سنستخلص الدرسَ بمفردنا أم سيلقِّننا إياه أحد الخصوم – على غرار ما حدث في 7 ديسمبر 1941.
هذا السؤال يوجد في صميم مقال مهم في العدد المقبل من مجلة «فورين أفيرز» لـ«كريستيان بروز»، مدير موظفي لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ.
فقد كتب بروز يقول: «النموذج التقليدي للقوة العسكرية الأميركية يواجه تحديات على غرار نموذج عمل الـ«بلوكباستر» (الأفلام ذات النجاح الجماهيري الكبير) وسط صعود «أمازون» و«نيتفليكس»، مضيفاً: «إن جيشاً مؤلفاً من أعداد صغيرة من أنظمة كبيرة وباهظة ومأهولة ومن الصعب استبدالها لن تبقى على ساحات المعركة المقبلة، حيث ستتولى أسراب من الآلات الذكية تنفيذ العنف بحجم أكبر وسرعة أعلى من أي وقت مضى».
المنطق هنا هو المنطق نفسه الذي حسم «معركة أجينكورت»، حيث تغلب القوسُ الإنجليزي البسيط والفعال على سلاحِ الفرسان الفرنسي الباهظ والهش. ونسخة اليوم من سلاح الفرسان ذاك تتكون من حاملات طائرات يبلغ سعر الواحدة منها 13 مليار دولار، ومقاتلات نفاثة تباع بـ90 مليون دولار للطائرة الواحدة (وتبلغ كلفة طيرانها 30 ألف دولار للساعة الواحدة).
هذه الأنظمة كلها تعاني من العقبات التكنولوجية المألوفة، وتجاوز الميزانيات المحددة، وصعوبات بيروقراطية. ومع ذلك، فإنها كانت ستستحق سعرها الباهظ لو أنها كانت تمنح تفوقاً حاسماً وطويل الأمد على خصومنا، على غرار ما فعل التفوق التكنولوجي الأميركي على السوفييت خلال الحرب الباردة.
المشكلة أنها لم تعد تفعل ذلك. فمن جهة، نقوم بتبديد مليارات الدولارات عبر استخدام أحدث الموارد وأكثرها تطوراً ضد أعداء بدائيين تكنولوجياً في الشرق الأوسط وأفريقيا. لماذا؟ لأن قوات جوية مهووسة بحيازة مقاتلات شبح من الجيل الخامس، مثلاً، ما زالت لا تستطيع إقناع نفسها بأهمية شراء سرب من الطائرات الرخيصة لتنفيذ دوريات في أجواء شمال العراق، مثلًا.
ومن جهة أخرى، نقوم بتبديد تريليونات الدولارات من أجل إنشاء عدد صغير نسبياً من المنصات المتطورة جداً، التي تُعد عرضة على نحو متزايد للرصد والتدمير من قبل خصوم شبه أنداد لنا مثل الصين وروسيا. بعبارة أخرى، يكتب بروز: «إن منافسي الولايات المتحدة يستخدمون كميات كبيرة من الأسلحة كلّفت ملايين الدولارات من أجل تدمير أنظمة عسكرية التي كلّفت الولايات المتحدة مليارات الدولارات».
والحل، وفق بروز، يكمن في زيادة أعداد المنصات العسكرية بشكل جذري، وخفض تكاليفها، وتعزيز استقلاليتها – ضمن الحدود الأخلاقية. وهذا يقلص إمكانية تعرض المقاتلين لأذى، ويخلق أهداف أكثر (وأصعب) حتى يتعقبها العدو، ويجعل تحمل خسارة أي منها أسهل نسبياً. وحالياً تسعى البحرية إلى بلوغ هدف 355 سفينة، ولكن ينبغي أن تستهدف عدداً أعلى بكثير، وأن يكون معظمها غير مأهول.
ولكن ما الذي يمنعها من ذلك؟ الجواب هو ما سماه رئيس بروز السابق، الراحل جون ماكين، عقدة الجيش–المجمع الصناعي–الكونجرس.
والحال أنه ليس ثمة ضرورة لتكون الأمور على هذا النحو. وزارة دفاع يقودها زعيم مستقل ويملك رؤية، وكونجرس تسوده روح وطنية ولا يرتهن للتعصب الحزبي، ورئيس جاد وقادر على التفكير طويل المدى... كلها أشياء يمكن أن تغيّر الطريقة التي تستعد بها أميركا للحرب التالية – من أجل تجنبها إن أمكن، والفوز بها إن اقتضى الأمر.
ومن أجل ذلك، سيتعين علينا انتظار الإدارة المقبلة. وفي الأثناء، يزداد خطر أن نكون على الجانب الخاسر من «معركة أجينكورت» الخاصة بنا.
 *صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
https://www.nytimes.com/2019/04/25/opinion/us-military.html