الانتخابات المحلية التركية الأخيرة التي أجريت في 31 مارس بعثت بعدد من الرسائل المهمة إلى النخبة الحاكمة في البلاد -- والأهم من ذلك، إلى الرئيس رجب طيب اردوغان، الذي اعتبر تلك الانتخابات – عن حق – بمثابة استفتاء على حكمه، مني بهزيمة مذلة، حيث خسر حزبُه السيطرة على خمس من كبريات المدن في البلاد، بما في ذلك مسقط رأسه إسطنبول، حيث أطلق مسيرته السياسية. ذلك أنه خلال السنوات الأخيرة، ابتعد حزب اردوغان الحاكم «العدالة والتنمية» أكثر، ليس عن الديمقراطية فحسب، ولكن أيضاً عن القيم والأخلاق الإسلامية الحقيقية. كما تجاهل الرئيس انتقادات الفساد والظلم والاستبداد التي باتت مرتبطة بحزبه. وهو يواجه الآن ثمناً سياسياً ثقيلا بسبب تعجرفه.
الآلاف من أعضاء «حزب الشعوب الديمقراطي» الذين يفترض أن يشاركوا حالياً في السياسة – بمن فيهم أنا – زج بهم في السجن لأسباب سياسية. وقوات الأمن ما زالت تتحرش بأعضاء حزبنا الذين ما زالوا أحراراً وتعرقل نشاطهم. كما جُرِّم الكثيرون منا واعتُبروا «إرهابيين» من قبل المسؤولين الحكوميين. ومع ذلك، استطاع حزبي، الذي شاركت في ترؤسه لعدة سنوات، إظهار قوته في هذه الانتخابات الأخيرة.
ورغم كل العراقيل التي تواجهه، إلا أن نجاح «حزب الشعوب الديمقراطي» الانتخابي كان مذهلاً ولافتاً. وهذا يُظهر أن أنصار «حزب الشعوب الديمقراطي»  لم تنل منهم التدابر القمعية التي تتخذها الدولة في حقهم. ومرة أخرى، عبّر ناخبو «حزب الشعوب الديمقراطي» عن تصميمهم على العيش معاً في تركيا حرة وديمقراطية يعمها السلام.
وتُظهر التطورات الحالية في الشرق الأوسط (وخاصة سوريا) بوضوح المسارَ الذي يجب على تركيا أن تسلكه: يجب علينا أن نناضل من أجل الوحدة والتماسك الاجتماعي. وهذا هدف لا يمكننا بلوغه إلا عبر الالتفاف حول مبادئ السلام والديمقراطية.
فالطريق الوحيد لتجنب الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق – ولاسيما تفشي البطالة وارتفاع التضخم – يكمن في التعجيل بتطبيق الإصلاحات السياسية. ولكن سجل المؤسسة السياسية الماضي، الذي كان متركزاً على اردوغان، يشير إلى أنه ليست لديها الإرادة أو القدرة أو الشجاعة لفعل ذلك.
فسياسات اردوغان المثيرة للانقسامات تجاه المعارضة، تزيد من استقطاب المجتمع. والحال أن الأغلبية الساحقة من أكراد تركيا تريد العيش في سلام مع بقية المواطنين، ذلك أنهم ضاقوا ذرعاً بالعنف والحرب. صحيح أن لدى الأكراد طيفاً من المطالب، وجميعها تقتضي قدراً أكبر من الديمقراطية. ونحن في المعارضة تعهدنا بالعمل من أجل إنجاز هذه الأهداف. غير أن الرئيس والحزب الحاكم هما اللذان يتحملان المسؤولية الأولى عن عدم تحقيقها.
نتائج الانتخابات تؤكد أن كل شعب تركيا، وليس أعضاء حزبنا فقط، يرغبون في العيش معاً، بشكل ديمقراطي وسلمي. ويعارضون الحكم الاستبدادي وحكم الفرد الواحد. ونأمل أن يفهم اردوغان هذا الأمر. وإذا لم يفعل، فإن الانتخابات المقبلة يمكن أن تسفر عن ضربة أخيرة له.
أننا نؤمن بمستقبل ديمقراطي ومشرق لتركيا. ونعتقد أن هذه الانتخابات أظهرت الطريق الذي يقود إلى الأمام. غير أنني أخشى أن تكون أزمات سياسية واقتصادية في طريقها إلينا، في حال واصلت الحكومة مسارها الاستبدادي.
إننا نحث المجتمع الدولي على تشجيع تركيا على اختيار طريق الديمقراطية والسلام. ورغم خلافاتنا الكثيرة، ينبغي أن نكون قادرين – نحن شعب تركيا – على إظهار أننا نستطيع حل مشاكلنا عبر النقاش. وتاريخ الأناضول وبلاد الرافدين حافل بالأمثلة الكثيرة على الوحدة والتنوع.

صلاح الدين دميرتاش
عضو سابق في البرلمان التركي، وقيادي سابق في حزب الشعوب الديمقراطي التركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»