أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلغاء الإعفاءات من نظام العقوبات المفروضة على إيران والممنوحة لثماني دول عند شرائها النفط الإيراني، وهي الصين والهند وإيطاليا واليابان وتايوان واليونان وتركيا وكوريا الجنوبية، وذلك بدءاً من 2 مايو القادم. وقال البيت الأبيض إن إنهاء الإعفاءات «يهدف إلى خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، وحرمان النظام الإيراني من مصدر دخله الرئيسي».
وكانت الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران قد دخلت حيز التنفيذ في نوفمبر 2018، وشملت قطاعات الطاقة وبناء السفن والشحن والبنوك في إيران. بيد أن واشنطن منحت إعفاءات من العقوبات، لمدة ستة أشهر، لثمانية مشترين رئيسيين للخام الإيراني، بغية منحهم الوقت لإيجاد مصادر بديلة وتجنب التسبب في صدمة لأسواق النفط العالمية. وبالفعل، توقفت ثلاث دول هي اليونان وإيطاليا وتايوان، عن استيراد النفط الإيراني. وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إن قرار ترامب عدم تجديد الإعفاءات يظهر بأن إدارته «تقود حملة للضغط بشكل كبير وبطريقة مدروسة تحقق أهدافنا الأمنية الوطنية مع الحفاظ على تزويد أسواق النفط العالمية بحاجتها». وأضاف: «إننا نقف إلى جانب حلفائنا وشركائنا أثناء تحولهم من النفط الإيراني إلى البدائل الأخرى». فهل يعد إلغاء الإعفاءات تصعيداً جديداً تجاه إيران، أم مجرد مناورة من ترامب؟ وهل يتوقع أن تحقق استراتيجية تصفير النفط الإيراني الهدف الأساسي للعقوبات الأميركية؟
تهدف استراتيجية الرئيس ترامب المعلنة وعقوباته الاقتصادية القاسية وغير المسبوقة على النظام الإيراني، إلى التأثير على الداخل الإيراني، عبر مزيد من الضغوط على النظام إلى درجة قد تدفع قياداته نحو مراجعة مواقفها والعودة إلى مفاوضة واشنطن مجدداً لصياغة اتفاقية جديدة تشمل برنامجها للصواريخ الباليستية وبرنامجها النووي ومحاصرة دورها في المنطقة.
وتراهن واشنطن على استفحال الأزمة الداخلية الإيرانية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي يعانيها النظام، خاصة مع تهيؤ الساحة الداخلية بعد أن فشلت سياسات روحاني «الإصلاحية»، كما أخفقت حكومته في تحقيق مكتسبات داخلية عقب توقيع الاتفاق النووي، إذ لم يجن الشعب الإيراني وتجار «البازار» أي مكتسبات مما وعد به النظام كثمار للاتفاق النووي، رغم تصاعد الطموحات لفتح الأسواق الإيرانية وانتعاش الاقتصاد، حيث ظهر جلياً تغوّل الحرس الثوري الإيراني في الساحة الاقتصادية وسيطرته المطلقة على اقتصاد البلاد واستثمار مواردها في دعم وكلائه المحليين في الخارج، مثل «حزب الله» في لبنان والحوثيين في اليمن. إضافة إلى استنزاف الموارد الإيرانية بشكل متواصل في حربي سوريا واليمن. كل ذلك مقابل ارتفاع معدلات البطالة وتدني مستوى المعيشة وارتفاع معدلات الفقر. فلم يحقق الاتفاق النووي وعود الرخاء الاقتصادي التي روج لها النظام، لذلك تصاعدت الاحتجاجات الداخلية وحملت لافتات تشكك لأول مرة في شرعية النظام، لتعكس عمق الأزمة في الداخل الإيراني.
وتهدف العقوبات الأميركية على قطاع الطاقة في إيران إلى تصفير صادرات النفط الإيرانية المقدرة حالياً أقل من مليون برميل يومياً، مقارنة بأكثر من 2.5 مليون برميل يومياً قبل إلغاء الاتفاق النووي في مايو 2018. وقد نجحت الضغوط الأميركية على الدول والشركات في سحب استثماراتها ووقف مشروعاتها المشتركة مع إيران، كما سعت لتأمين النقص المحتمل في سوق النفط من خلال الاتفاق مع منتجين خليجيين لتغطية النقص، بما يعني جدية الإدارة في تطبيق عقوباتها على قطاع الطاقة الإيراني.
سيحاول النظام الإيراني، بمناوراته وخبراته التاريخية في التعاطي مع العقوبات السابقة، امتصاص أثر العقوبات في البداية، لكنه لا يملك ما يؤهله للبقاء فترة طويلةً تحت ضغوطها غير المسبوقة. لذا ستكون للعقوبات آثار مباشرة على الداخل الإيراني المتحفز منذ سنوات لفرض التغيير، وهذا أساساً ما تراهن عليه واشنطن.