إنها لحظة الحقيقة بالنسبة لأوكرانيا. لقد حقق «فولوديمير زيلينسكي» فوزاً ساحقاً في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا، متغلباً على الرئيس الحالي «بيترو بوروشينكو». ويعرف معظم الأوكرانيين زيلينسكي كشخصية تلفزيونية خيالية في البرنامج الناجح «خادم الشعب»، حيث يلعب دور المواطن العادي الذي سئم نظام «ادفع كي تحصل على خدمات» المتبع في أوكرانيا. وفي البرنامج، يتم انتخاب الشخصية التي يلعبها زيلينسكي بإعجاز رئيساً بعد بث كلمة له يتحدث فيها غاضباً ضد السياسيين الفاسدين. والآن أصبح الخيال واقعاً، حيث يتأهب زيلينسكي لتنصيبه رئيساً في الحياة الواقعية في وقت لاحق من ربيع هذا العام.
وبعد أن ألقى زيلينسكي الضوء في حملته على تفاصيل السياسة، فهو الآن على وشك أن يُظهر للأوكرانيين أي نوع من القادة سيكون حقاً. وعلى النقيض من شخصيته التلفزيونية المكتوبة بعناية، فإن زيلينسكي ليس مواطناً عادياً. فهو عضو في النخبة، ويقال إنه يمتلك فيلا إيطالية فاخرة، ولديه علاقات شخصية وثيقة بواحد على الأقل من القلة الأكثر ثراءً والأكثر إثارة للجدل في أوكرانيا ألا وهو «إيهور كولوكويسكي».
وفي حين أننا لا نعرف بعد أي نوع من الرؤساء سيكون زيلينسكي، فإننا نعرف نوع الرؤساء يريده المواطنون الأوكرانيون. وتُظهر استطلاعات الرأي باستمرار أن الأوكرانيين يريدون ثلاثة أمور من قيادتهم السياسية: يريدون رجل دولة يقاوم «العدوان الروسي» ويستعيد سيادة أوكرانيا.. ويريدون مصلحاً يقضي على النظام الأوليجاركي الذي أفسد السياسة والاقتصاد في أوكرانيا.. وأخيراً يريدون شخصاً يعزز النمو الاقتصادي ويحسن الأجور ويوفر فرص عمل.
من السهل قول هذه الأشياء، لكن من الصعب تنفيذها. ومع ذلك فإذا كان زيلينسكي يريد حقاً أن يكون «خادم الشعب»، فهو يعرف ما الذي يجب أن تكون عليه أولوياته الاستراتيجية. ويبدو أن خطاب حملته يعكس وعياً بهذه الأولويات. لمواجهة «العدوان الروسي» المستمر على أوكرانيا، دعا زيلينسكي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لممارسة نفوذ أكبر على موسكو وترك العملية الدبلوماسية التي احتكرتها فرنسا وألمانيا. ولمحاربة الفساد، دعا إلى إبقاء وكالات إنفاذ القانون في أوكرانيا، لا سيما المكتب الوطني لمكافحة الفساد ومحاكم مكافحة الفساد الناشئة، بعيداً عن التدخل السياسي. ولتعزيز الاقتصاد، أدرك أن الاستثمار عاملاً رئيساً لكنه يعتمد على سيادة القانون واحترام حقوق الملكية.
وإذا أراد زيلينسكي أن ينجح في أجندته التي تتوافق مع خطاب حملته، فسيكون بحاجة إلى الدعم المحلي والدولي. فعلى الصعيد المحلي، سيحتاج الرئيس المنتخب إلى برلمان ومجتمع مدني على استعداد لدعم الإصلاحات. وفي حين أن البرلمان الحالي سيكون مجزّأً ومأزوماً، فإن الانتخابات البرلمانية المقررة في أكتوبر المقبل ستقدم فرصة على المدى القريب لجلب كتلة قوية من الإصلاحيين. ومن ناحية أخرى، فإن المجتمع المدني الأوكراني هو بالفعل مدافع قوي عن الإصلاحات وسيكون حليفاً رئيساً إذا ما اختار زيلينسكي إشراكه.
أما الشيء الآخر الذي يحتاجه زيلينسكي فهو المجتمع الدولي. ولسوء الحظ، فإن المجتمع عبر الأطلسي مجزأ ومستهلك في قضايا أخرى. لكن ينبغي على الغرب التخلص مما شخصه بأنه «تعب أوكرانيا» واستبدال موقف الانتظار والترقب بسياسة أكثر استراتيجية تدعم الجيش ومكافحة الفساد والإصلاحات الاقتصادية في هذه الدولة ذات الأهمية الاستراتيجية.
وإذا لم يحتضن المجتمع الدولي زيلينسكي، فإن جهات فاعلة أخرى ستفعل ذلك. والأوليجاركية تتناصر بالفعل لضمان استمرار مصالحها. والشيء نفسه سيفعله الكرملين.
ولذلك السبب ينبغي للمجتمع الدولي الانخراط مع الرئيس المنتخب لدعم أجندته السياسية بوسائل تعزز القيم الديمقراطية والاقتصاد المبتكر وسيادة القانون. وعلى القادة الغربيين مساعدة زيلينسكي، وتقديم المشورة الاستراتيجية والفنية له، لاسيما بشأن إصلاح الدفاع، والدبلوماسية الخارجية، والمسائل القانونية والقضايا الاقتصادية. إن أوكرانيا تقف الآن في نقطة الانعطاف. وعلى الغرب التوقف عن التصرف كما لو كان ليس لديه مصلحة في النتيجة، وأن يتحرك سريعاً لمساعدة الرئيس المنتخب حديثاً على قيادة مواطنيه نحو أوكرانيا أكثر ديمقراطية وسيادة وازدهاراً.

*مدير مركز «بايدن» للدبلوماسية بجامعة بنسلفانيا الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»