كثير من المشروعات ذات الطبيعة المثيرة للجدل تحتاج إلى عمل معقد وهندسة سياسية يتم فيها تدوير الزوايا. نتذكر ذلك بينما يتم تسريب فقاعات من «مقترح السلام» الذي يزمع الرئيس الأميركي ترامب طرحه، والذي دعاه لنقل سفارة بلاده إلى مدينة القدس، معتقداً أنه يزيل العقبة الكبرى أمام التفاوض، مع أن القدس من الموضوعات المؤجلة إلى المرحلة النهائية من التفاوض بموجب مبادرة السلام. ونعلم أنه كلما ضعف الموقف الأميركي عموماً في الشرق الأوسط، ضعفت قدرة واشنطن على إقناع إسرائيل بتقديم تنازلات.
وسائل الإعلام تناقلت أخباراً حول ما يسمى «صفقة القرن»، وهي تسمية أطلقها بدايةً وزير الدفاع الإسرائيلي «أفيغدور ليبرمان»، والذي كشفت صحيفة «معاريف» أنه خلال إحدى زياراته لواشنطن عُرض عليه جزء من تفاصيل الصفقة، والتي تشمل -وفقاً للصحيفة- «تنازلات واسعة» من جانب إسرائيل، لكن رغم ذلك تتوقع أميركا أن توافق تل أبيب على الصفقة وتقر «التنازلات المؤلمة»، والتي بموجبها يطلب من إسرائيل في المرحلة الأولى الانفصال عن أربعة أحياء في القدس الشرقية المحتلة، هي شعفاط وجبل المكبر والعيساوية وأبو ديس، ليتم نقلها إلى السلطة الفلسطينية وفصلها عن القدس.
وقد تحدثت قناة الجزيرة القطرية عن «صفقة القرن»، زاعمة أنها تشمل جزءاً من سيناء المصرية، ثم جاء الرد الأميركي مخيباً لآمالها، حيث صرّح المبعوث الأميركي للشرق الأوسط «جيسون غرينبلات» بأن «خطة الرئيس دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط لن تشمل منح أي أرض من سيناء المصرية للفلسطينيين».
ورغم ذلك تستخدم جماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابية الصفقة كمادة إعلامية للمزايدة وللتغطية على أعمال سرية تدور خلف الستار بين قطر وإسرائيل وحركة «حماس»، لتحويل أموال نقدية إلى الحركة في محاولة لتمكين حكمها في غزة، وهو آخر معقل إخواني لقطر.
وفيما يخص سيناء، فإن التاريخ يخبرنا بأن فكرة إدخال جزء من سيناء ضمن تسوية شرق أوسطية طرحت عام 1954 في عهد الرئيس الأميركي إيزنهاور، لكن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر رفضها كلياً، وكذلك السادات ومن بعده مبارك. ويذكَر أن مصر التي رفضت التخلي عن منطقة «طابا» (وهي جزء صغير من شبه جزيرة سيناء)، يستحيل أن تتخلى عن جزء من ترابها الوطني لصالح مشروع إسرائيلي.
ولئن قال نتنياهو إن قرار ترامب الذي يعتبر «القدس عاصمة لإسرائيل» أمر واقع، فإن هناك 128 دولة في الأمم المتحدة، ومئات الملايين من الشعوب العربية والمسلمة، ترفض ذلك القرار، وهذا أيضاً أمر واقع.
«الوثيقة التوافقية» الموقعة بين الفلسطينيين في مايو 2017 تمثل موافقة على حدود 4 يونيو1967، وكما يقول الرئيس محمود عباس فهي اعتراف بإسرائيل من جانب «حماس».
الموقف العربي أكده وزراء خارجية العرب في القاهرة يوم 21 أبريل الجاري بحضور الرئيس عباس، حيث جددوا رفضهم أي صفقة بشأن القضية الفلسطينية لا تتماشى مع المرجعيات الدولية. وإذا كان ثمة بالفعل «مقترح سلام» في الطريق، فالمطلوب فلسطينياً أن تكون «حماس» والسلطة الفلسطينية على درجة من النضج والشراكة، لتحمل مسؤولياتهما التاريخية، وأن تنظرا إلى فلسطين التي لم يتحرر منها شبر واحد طوال سبعين عاماً، بل العكس، ولا تلومان العرب وهما على هذا الانقسام والتشرذم!
أكثر من خدم إسرائيل هم المتشددون والمزايدون الذين يرفضون فتجني إسرائيل من وراء رفضهم، حتى أصبحت القضية على آخر حافة. العرب، وخاصة الشعوب، لن يطبعوا، لكن المزايدين، من أمثال «حماس»، يتعاملون ويتعاونون مع إسرائيل أكثر من تعاونهم مع أشقائهم في السلطة الفلسطينية.
انتبهوا حتى لا تصعقكم صفقة القرن!