يوم الأحد الماضي، صعدت إلى مقصورة غواصة تابعة لبعثة علمية عالمية، تبدو مثل فقاعة على منصّة طاقة، مع ربّان الغواصة «راندي هولت». وبصفتي أحد سكان الجزر ورئيس جمهورية سيشيل، وهي عبارة عن أرخبيل مكون من 115 جزيرة في المحيط الهندي، فإنني أدرك تماماً الجمال الطبيعي للمحيط. لكن نزولنا إلى عمق 407 أقدام تحت الماء كان موحياً، بينما مررنا بعالم لا يصدق ثري بالحياة البحرية. وفي منطقة واحدة فقط، شاهدت سبعة أنواع مختلفة من الشعاب المرجانية، وعدداً لا يحصى من أنواع الأسماك المختلفة. فمررنا بسمكة قرش المطرقة وسمكة الشمس الاستوائية وسمكة شيطان البحر، التي يبلغ عرضها أكثر من 6 أقدام.
وقد شعرت بالفخر أن أدلي بخطاب من ذلك العمق، وكما أخبروني كان ذلك أول خطاب لرئيس دولة من تحت الماء، وطالبت فيه بجهود عالمية أكبر من أجل حماية المحيطات. لكن لم أرغب في أن تلقي غرابة الحدث بظلالها على الرسالة المتمثلة في أن: حماية المحيطات والحياة البحرية من التغير المناخي والتحميض والصيد الجائر والتعدين في أعماق البحار والتلوث بالبلاستيك والتهديدات الأخرى هي مسؤولية عالمية. فكثير من غذاء العالم ونحو نصف الأكسجين الذي نتنفسه يأتي من مياه المحيطات. كما أن المحيطات هي أنشط بالوعة للكربون على كوكب الأرض، إذ تمتص ما يزيد على 25 في المئة من ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي. والسماح بمواصلة سوء استغلالها هو عملية تدمير ذاتي وينذر بحدوث كارثة.
وفي سيشيل، نتعاون مع معهد «نيكتون أوكسفورد» للأبحاث في أعماق المحيطات من أجل استكشاف أعماق المحيط الهندي في منطقتنا، ومثل كثير من قاع المحيطات في أرجاء العالم، لا تزال هذه المنطقة بلا خريطة واضحة إلى حد كبير. ويأتي المشروع بالتعاون مع أكثر من 40 شريكاً في بعثة تجمع بين ابتكارات في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والاتصالات من أجل جمع أبحاث وبيانات تساعدنا بصورة أفضل على حماية الحياة البحرية.
ومع وجود منطقة اقتصادية حصرية تناهز مساحة ولاية ألاسكا الأميركية تقريباً، فإن طريق سيشيل إلى الازدهار هو محيطنا. ومياهنا الإقليمية في المحيط، التي تعتبر من بين الأكبر في العالم، تحمل فرصاً للتنمية، ومسؤولية أيضاً. وحماية المحيط مسألة ضرورية لضمان أن ركائز اقتصادنا من سياحة وصيد الأسماك ستبقى مستدامة. ويمكننا من خلال التخطيط بصورة ملائمة لحماية بيئتنا أن نضمن أننا سنحمي شعبنا وحياتهم أيضاً من المخاطر المستقبلية.
وقد التزمت سيشيل بوقف 30 في المئة من مياهنا للحماية البحرية بحلول العام المقبل. ويعني ذلك حصر استغلال هذه المناطق البحرية على الأنشطة المنظمة بعناية مثل الأبحاث العلمية أو السياحة المنضبطة، بهدف تحقيق حماية طويلة الأمد وتعزيز مرونة الأنظمة البيئية البحرية.
وقد تم تمويل المشروع باتفاقية رائدة بقيمة 22 مليون دولار أطلق عليها اسم «اتفاقية تبادل الديون من أجل حماية المحيطات والتكيف مع المناخ». وقمنا بابتكار هذه الاتفاقية بدعم من نادي باريس وحماية الطبيعة، وهي منظمة مكونة من الدول الدائنة التي كرّست نفسها للتعامل مع التحديات التي تواجه الدول المدينة. وتساعد عملية مقايضة الديون أيضاً في تمويل أنشطة حماية البيئة المحلية الأخرى والتكيف المناخي.
وتود سيشيل أن تلهم حكومات أخرى من أجل اتخاذ إجراءات بهدف حماية البيئة وإنقاذ المحيطات. ومن الممكن أن تصبح اتفاقيتنا الخاصة بمقايضة الديون نموذجاً لاتفاقات أكبر مع المهتمين بحماية البيئة من أجل شراء ديون سيادية في مقابل تغييرات سياسية تساعد على حماية البيئة.
وعلاقتي الخاصة بالمحيط ليست فقط لأنني أنتمي إلى جنة موجودة على الأرض، فللمحيط علاقة خاصة بنا جميعاً، ذلك أن المحيطات هي من تحافظ على حياة كوكب الأرض وحياتنا، ومن الواضح لي أنها عرضة لتهديدات كما لم تكن من قبل. وتطبيق القانون والحوكمة على المحيطات هو السبيل الوحيد لضمان بقائنا جميعاً.
وسيشيل ملتزمة التزاماً كاملاً بجهود الأمم المتحدة لوضع إطار عمل ملزم قانوناً لحماية المحيطات في المناطق خارج الاختصاصات القضائية الوطنية. وهناك أبحاث موجودة كافية لبدء تصميم شبكة في شتى بقاع الكوكب للمناطق المحمية في أعالي البحر، غير أنه من الضروري جمع مزيد من المعلومات لتحديد أولويات المناطق التي تحتاج إلى حماية. وهذه قضية عالمية وتتطلب نهجاً عالمياً. وكحراس لثلثي سطح هذا الكوكب الأزرق، على البشرية أن تتعاون، وقد آن الأوان لنتحرك الآن!
داني فور
رئيس جمهورية سيشيل
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»