عندما نتأمل تجارب  بعض أنظمة الحكم الجمهورية العربية، التي حكمت  باسم الانقلابات العسكرية، نلاحظ أن الديكتاتوريات لم تعد مناسبة لهذا الزمن وأن عهدها قد انتهى، ولا يمكنها أن تنجح في بناء دول مستقرة ومزدهرة، رغم التشدق بالحديث باسم النظام الجمهوري الذي حولته هذه الديكتاتوريات إلى نظام كارثي، أدى إلى حرمان شعوب المنطقة من التفرغ للبناء والتنمية والتطلع إلى مستقبل خالٍ من الحروب والفقر والفساد. وحتى البلدان التي لديها ثروات طبيعية وإيرادات هائلة مثل ليبيا والعراق، طالها الحرمان والفقر وانتشر فيها الفساد والفشل الإداري والعجز عن التخطيط. والسبب أن الأنظمة الديكتاتورية أدخلت تلك البلدان في أنفاق مظلمة. ويضاف إليها اليمن وسوريا والسودان، وإن كانت لا تمتلك ثروات نفطية مثل غيرها فإنها كانت تحظى بمساعدات خارجية ولديها إمكانيات بشرية لا تقل أهمية عن النفط لكنها لم تستغلها بشكل إيجابي.
وهذا يقودنا إلى حقيقة يريد البعض تجاهلها تحت ضغط شعارات أيديولوجية قديمة كانت تمجد الزعامات الفاشلة وتقدسها، بينما نستنتج من خلال المؤشرات الواقعية أن الديكتاتوريات لا يمكن أن تنجح في تحقيق أي مكسب لشعوبها، لأسباب كثيرة، أبرزها أنها تظل في حالة قلق دائم من سقوطها بانقلابات مماثلة للتي أوصلتها إلى السلطة، مما يعيقها عن التفرغ لخدمة الشعوب ويبقيها منهمكة في المؤامرات الداخلية وتحصين حكمها.
لذا ربما كان يتوجب على كل من حكموا باسم الجمهوريات أن يعلنوا أنفسهم ملوكاً وأن يحولوا أنظمة الحكم في بلدانهم إلى ملكيات. وهذا ما يفسر سقوط أولئك الزعماء تباعاً، لأنهم كانوا يخدعون شعوبهم باسم الجمهورية، وقد أدى فشلهم إلى انتشار الفوضى والانهيارات الاقتصادية والأمنية. والنماذج ماثلة أمامنا تتحدث عن نفسها، لدرجة أن دولاً نفطية  تعيش بعض أحياء مدنها في الظلام الدامس دون كهرباء، وهذه أبسط خدمة يمكن أن تقدمها الدول لمجتمعاتها في وقتنا الحاضر. وبالمثل كان الليبيون يذهبون إلى العلاج في تونس، رغم أن بلدهم من أهم البلدان المصدرة للنفط، لكن القذافي كان يشغل نفسه بمتاهات استنزفت ثروات ليبيا، وربما تعمد إبقاء الليبيين من دون مؤسسات محددة للحكم لكي ينتقم منهم إذا ما أطاحوا بحكمه.
كان كل يوم يمر على تلك الديكتاتوريات يؤكد لنا أن زمنها انتهى. ثم حدثت بالفعل النهايات المتقاربة زمنياً، والتي أزاحت مجموعة من الرؤساء العرب الذين لم يستوعبوا الدرس جيداً، وآخرهم نظام السودان السابق الذي قاد تجربة فاشلة بالاعتماد على أسلوب قديم في التسلط، دون أن يفكر في احتمالات الفشل الذي وقع فيه مَن سبقوه من المتسلطين باسم الجمهوريات والانقلابات والتحالف مع الإسلام السياسي. ولا يكاد يشبه البشير سوى زميله في اليمن الذي سبقه في السقوط وذهب ضحية رقصه على رؤوس ثعابين من أنواع سامة وخطيرة، أولها «الإخوان المسلمون» الذين تحالف معهم طوال أغلب سنوات حكمه، ثم مع الحوثيين الذين استغلوه قبل أن يتخلصوا منه عندما وصلتهم التوجيهات من طهران بتصفيته قبل أن يتحول إلى صف الحكومة الشرعية، لكنه تأخر كثيراً في اتخاذ القرار المناسب.
لم تستفد الشعوب ولم تحقق شيئاً يذكر خلال العقود الماضية، التي حكم خلالها أولئك الزعماء المستبدون في الجمهوريات العربية.