بينما كنت أشاهد كاتدرائية نوتردام وهي تحترق في بث مباشر، كانت أول فكرة تتبادر إلى ذهني، هي أن ابني، على الأقل، قد واتته الفرصة لرؤيتها. في شهر نوفمبر، كنا اثنين من بين 12 مليون شخص يزور نوتردام سنوياً. وقد ذهبنا لمشاهدة ما يتوق السياح الأميركيون الشماليون لمشاهدته في أوروبا: التواصل مع الرسوخ الأوروبي، ومعجزة مبنى كان موجوداً لما يقرب من 900 عام.
يبلغ ابني من العمر 12 عاماً. وقد جاءت زيارتنا الأولى إلى الكاتدرائية في نهاية يوم طويل. فقد أخذته إلى أماكن مختلفة كنت أحتاج لزيارتها لإجراء مشروع بحثي، وكنت أكثر اهتماماً بخدمة «الواي فاي» في الكنيسة أكثر من نوافذها الرائعة التي تعود إلى القرن الـ 13 الميلادي. لكنني كنت أدفعه كأب مزعج قائلاً: «انظر إلى هذا السقف. الق نظرة جيدة، فقد يمر بعض الوقت قبل أن تراه مرة أخرى»، وبالفعل نظر إلى السقف.
وفي هذا المساء، في أعقاب الحريق، واتتني فكرة غريبة، وهي أنه ليس الكثير من الناس الأصغر سناً منه على هذا الكوكب لديهم ذكريات تشبه السير عبر نوتردام. كان ابني جائعاً ومتعباً ومشتتاً. وفي هذا الشعور بالجوع والتعب والتشتت تكمن بقايا واحدة من أكثر الإبداعات روعة في العالم. هكذا الفن الضعيف، حتى الفن المنحوت من الحجارة القديمة: إنه يبقى في الشبكات المتقلبة لمجرد الوعي – الوعي المشتت والمقاوم. وفي النهاية، لا يكون الفن في أي مكان آخر.
لا أعرف ما الذكرى التي سيحتفظ بها ابني عن نوتردام. وكان لدي انطباع غامض لكنه قوي، شعور بالكآبة والإشراق منصهران في إيماءة واحدة. فقد كانت بعض النوافذ الأكثر شهرة في التاريخ تحمل ما يدخل السرور على الأطفال – حيث كان زجاج السقف مطعم برسومات متغيرة الألوان، ويشع إضاءة لا تزال موجودة، وكذلك ارتفاع السقف المقبب، بأناقته المذهلة، كأنه أجنحة ضخمة خرجت من الحجارة. وأعترف أنني شعرت بالإعجاب بالأخشاب التي كانت مأخوذة من غابة كانت تنمو قبل ألف عام.
إنني أسافر كثيراً مع ابني. فقد اختلط بداخلي هوس التجوال في منتصف العمر. وأحتاج كثيراً إلى مغادرة المدينة التي أعيش فيها. لقد اصطحبته إلى أميركا الوسطى وإلى الشرق الأوسط وإلى أفريقيا وأوروبا، وفي كل مكان نفعل الشيء نفسه، تفقدٌ سريعٌ للمكان. وأحياناً أقول له: «انظر إلى هذا الطائر»، مشيراً إلى طائر القطنجية في كوستاريكا. «انظر إليه قبل أن يذهب». كان سرباً يجول في غابات المنجروف، ويحلق فوق الفروع السوداء، بعيداً عن الأنظار. ومنعت نفسي من قول «انظر إليه قبل أن ينقرض». ولكن هذا ما كنت أقصده. وعندما نمارس رياضة الغطس بين الشعب المرجانية تحت الماء، أقول له «انظر إلى المرجان». ولا أقول «انظر جيداً وتذكره لأنه سيصبح قريباً في ذاكرتك فقط».
حتى الرحلة إلى نوتردام، فهي على ما يبدو أنها سياحة لشيء سريع الزوال. لقد نجا جزء كبير من هيكل الكاتدرائية، بينما سيعاد دون شك بناء البقية. أما هالة الرسوخ التي كانت تبدو على المبنى فقد ولت. إننا نعيش في عصر الزوال، ودمار المبنى الذي نجا من أحداث العصور الوسطى والثورة الفرنسية والحرب العالمية الثانية، لم يكن مفاجأة. أصبحنا الآن نتوقع مثل هذه الأحداث. وأصبح أطفالنا يتوقعونها. فكل المؤسسات التي كانت ذات يوم مستقرة وأبراجها منيعة، تحترق وتنهار. ولن يترك زماننا نوتردام كتذكار للمستقبل.
ولكننا نعلم أن لا شيء يدوم، وفي النهاية، لا فرق بين كاتدرائية نوتردام التي ظلت قائمة لما يقرب من 900 عام وطائرة ورقية تحركها الرياح في إحدى أمسيات الربيع. ولكن هناك شيء واحد يجب معرفته. أن نرى احتراق الكاتدرائية على الهواء مباشرة والناس يلتقطون صوراً شخصية، بينما ينهار مجد الآلاف من السنين من الأيدي والعقول الماهرة في النيران خلفهم، فهذا شيء آخر.
ألم الزوال أثناء لحظة احتراق كاتدرائية نوتردام يتضمن إحساساً بالفشل. ولا يمكنني التفكير في أي شيء يتعلق بهذا العالم سوى رؤيته وإظهاره، حتى أثناء احتراقه.