في عام 1947 أعلنت الحكومة البريطانية أنها سوف تمنح الهند استقلالها في شهر يونيو – حزيران من عام 1948. ولكن لم تمضِ سوى أسابيع قليلة حتى غيّرت بريطانيا رأيها وأعلنت أن الهند سوف تصبح دولة مستقلة في منتصف شهر أغسطس-آب 1947.
فوجئ الزعماء الهندوس والمسلمون بالموعد الجديد. وكانوا قد بدأوا للتو مباحثاتهم حول صيغة العيش المشترك في ظل دولة مستقلة واحدة. إلا أنهم اضطروا تحت ضغط عامل الوقت إلى الاستسلام للفشل في الاتفاق على هذه الصيغة، ومن ثم على قبول مبدأ التقسيم. كان يفاوض عن الهندوس جواهر لال نهرو، وعن المسلمين محمد علي جناح. وكانت المفاوضات تجري بإشراف المبعوث البريطاني إيرل مونتباتن.
كانت الحكومة البريطانية تنتظر هذا الفشل. وربما كانت تسعى إليه، إذ سارعت إلى تكليف محام بريطاني يدعى «راد كليف» مهمته تقسيم الهند إلى دولتين، هندوسية وإسلامية، وأعطي مهلة خمسة أسابيع فقط لإنجاز مهمته، علماً بأن راد كليف لم يكن قد زار الهند من قبل، ولم يكن يعرف شيئاً عن جغرافيتها الطبيعية، وعن التوزيع السكاني فيها.
رسم «كليف» خارطة التقسيم، وبشحطة قلم حوّل مسلمين هنا، وهندوس هناك، وسيخ هنا وهناك، إلى مجرد أقليات معزولة. وبذلك حكم على الملايين من الهنود -من مختلف الأجناس والعقائد- بالموت.
كان عدد سكان الهند في ذلك الوقت يبلغ حوالي 400 مليون إنسان (اليوم يزيد عدد سكان الهند وباكستان وبنجلاديش التي كانت تشكل الهند- أكثر من ملياري إنسان)، قُتل منهم بسبب التقسيم العشوائي -المقصود أو غير المقصود- حوالي المليون. واغتُصب مئات الآلاف من النساء، وسُحق مئات الآلاف من الأطفال.
وبعد مرور أشهر قليلة فقط على التقسيم، انفجرت الحرب الأولى بين الهند والباكستان. وكانت كشمير هي السبب. ولا تزال كشمير حتى اليوم، وبعد أن تسببت في نشوب ثلاث حروب بين الدولتين التوأم، تشكل قنبلة موقوتة مجهزة للانفجار في أي وقت. وهذا ما كاد يحدث في الشهر الماضي.
الهنود يملكون اليوم القنبلة النووية، وكذلك الحال في باكستان. والاقتصاد الهندي يحتل المرتبة الثالثة في آسيا بعد الصين واليابان. صحيح أن تشرشل مات منذ سنوات، إلا أن السمّ الذي زرعته بلاده في الهند لا يزال يتفاعل حتى الآن. وهو يتفاعل أيضاً في قبرص (المنقسمة على ذاتها بين المسيحيين الموالين لليونان، والمسلمين الموالين لتركيا)، وهو يتفاعل أيضاً في جنوب أفريقيا التي شهدت حكماً عنصرياً استمر عدة عقود، ولا تزال آثاره السلبية مستمرة حتى بعد انتهائه. كما أنه يتفاعل في ماليزيا التي اضطرت لقبول انفصال سنغافورة عنها. إلا أن هذا السم أسوأ ما يكون في فلسطين التي انتقلت من تحت الانتداب البريطاني في عام 1947، إلى دولة يهودية اليوم تنفيذاً لوعد اللورد بلفور، وزير الخارجية البريطانية الأسبق.
لقد تقسمت الهند، وتقسمت قبرص، وتقسمت ماليزيا، وتقسمت فلسطين، والعامل المشترك في كل ذلك كان الاحتلال البريطاني. عرفت كل دولة من هذه الدول حرباً داخلية دفعت ثمنها بشراً وحجراً. إلا أن الثمن الأكبر دفعته الهند وباكستان.