حسم نتنياهو الانتخابات التشريعية الإسرائيلية بعد تأرجح في استطلاعات الرأي العام، ليصبح الأكثر بقاءً في منصب رئيس الوزراء في تاريخ إسرائيل، حتى من بن جوريون مؤسس الدولة ذاتها، وكانت السيناريوهات المتوقعة تتضمن احتمال فوز تحالف «أزرق-أبيض»، خاصة أن ثلاثة من قادة الجيش الإسرائيلي السابقين كانوا في قلب هذا التحالف بكل ما للجيش من وزن في السياسة الإسرائيلية، غير أن نتنياهو حسم المعركة لصالحه ليس فقط بفوزه بعدد من المقاعد يزيد بمقعد واحد عن «أزرق-أبيض»، وإنما لأن الأحزاب اليمينية المتشددة التي تحالف معها تعطيه ائتلافاً بأغلبية مريحة، وقد حقق نتنياهو هذا الانتصار الواضح نتيجة عدد من الأسباب، أولها المزاج اليميني المتشدد للرأي العام الإسرائيلي الذي يعطي قضية الأمن أولوية مطلقة، بحيث لم يكترث باتهامات الفساد التي وجهت لنتنياهو بالقدر الذي يسبب خسارته للانتخابات، وثانيها التكتيك الذكي الذي بات يجيد استخدامه وهو التخويف من تداعيات فوز خصومه على أمن إسرائيل، ومن ثم التأكيد على ضرورة الاندفاع إلى صناديق الاقتراع للحيلولة دون وقوع هذا الاحتمال، وثالثها الدعم غير المسبوق الذي قدمه له الرئيس الأميركي وذروته الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولاحقاً بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية خاصة، وقد اختار أن يعلن هذا الاعتراف قبيل الانتخابات بأيامٍ قليلة.
ويعني ما سبق أن نتنياهو سيمضي قدماً في تنفيذ برنامجه السياسي المعروف الذي لا يستجيب للحد الأدنى من المطالب الفلسطينية، وأخطر ما فيه في الوقت الراهن نيته المعلنة إبان الحملة الانتخابية إعلان ضم مستوطنات الضفة التي تشغل أكثر من نصف مساحتها لإسرائيل، وقد جادل البعض بأن هذا الإعلان ليس سوى دعاية انتخابية لن تجد طريقها إلى حيز التنفيذ، لكن الواقع أنه لا يوجد رادع له في هذا الصدد، خاصة مع توقع الدعم الأميركي الحاسم لهذه الخطوة، ويضيف البعض أن حكومة نتنياهو القادمة التي ستضم أكثر شرائح اليمين الإسرائيلي تشدداً سوف تقود إسرائيل إلى حرب جديدة، وهو ما لا أعتقده لسبب بسيط مفاده أن أي إجراءات جديدة يتخذها نتنياهو في اتجاه المزيد من العصف بالحقوق الفلسطينية والعربية لن يكون لها في ظل الأوضاع الفلسطينية والعربية الحالية من ردود الفعل ما يستفز إسرائيل للقيام بعمل عسكري، كما أن ثمة نموذجاً بدأ يتبلور في قطاع غزة الذي بات يمثل أكثر جبهات المواجهة مع إسرائيل توتراً يشير إلى أن إسرائيل لن تُقدِم على المبادرة بعمل عسكري في غزة لتكلفته العالية، وأن ردود أفعالها لأي انفلات لعمليات للمقاومة سوف تقتصر على توجيه ضربات جوية مكثفة وموجعة لمصادر التهديد، كما أن «حماس» من جهتها تتبع سياسة دفاعية واضحة، وبالتالي فإن احتمالات التصعيد في ظل الحكومة الإسرائيلية القادمة محسوبة ومقصورة على الردود الموجعة لأي عمليات مقاومة محتملة، ومواصلة عمليات تقويض أي وجود عسكري لإيران في سوريا.
ويرى البعض أن مسار الصراع على هذا النحو الذي تشير إليه سيطرة اليمين المتطرف على آلة الحكم في إسرائيل سوف يولد ردود أفعال قوية في المجتمع الدولي، لمجافاة السلوك الإسرائيلي مبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وهذا صحيح، غير أن ردود الفعل هذه سوف تقتصر على المستوى اللفظي كما هي العادة وإن كانت ثمة إرهاصات لتغيير محتمل في مزاج الرأي العام في الولايات المتحدة وهى الأهم في الساحة الدولية، فهناك ما يشير إلى أنه يوجد بين الجيل الجديد من أنصار الحزب «الديمقراطي» في الولايات المتحدة منْ لم يعد يقبل ممارسات السياسة الإسرائيلية على علاتها، ويقيم فاصلاً بين تأييد إسرائيل والانصياع الأعمى لسياسات حكومتها اليمينية، بل إن «الإيباك» نفسه وهو رمز اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، خرجت منه أصوات قوية ترى أن نتنياهو ذهب بعيداً في تطرفه بضمه إلى تكتله أحزاباً وجماعات تتسم بالعنصرية الفجة سيكون لها أثرها البالغ على إسرائيل، غير أنه يجب أن يكون واضحاً أن تطورات كهذه، لن يكون لها من أثر يُذكر على تحسين الوضع التفاوضي الفلسطيني العربي ما لم ترتبط بتحركات فلسطينية في الاتجاه الصحيح.