أشار تقرير السعادة العالمية الذي نُشر بالتزامن مع يوم الأمم المتحدة للسعادة إلى أن الهند أصبحت أقل سعادة على مدار عام مضى، فقد انخفضت مكانة الهند في السعادة سبع مراتب لعام 2019 مقارنة بمكانتها في عام 2018. ويشير التقرير إلى أنه رغم تضاعف الإنتاج المحلي الإجمالي للهند في العقد الماضي، انخفض متوسط السعادة نحو 1.2 نقطة. ومؤشر السعادة يشير إلى أن مرتبة الهند انخفضت من 133 عام 2018 إلى 140 في عام 2019 رغم أنه لم يقع حدث كبير يحتمل أن يكون له تأثير على نصيب الناس من السعادة.
حتى باكستان المجاورة التي تمسك بتلابيبها سلسلة من المشكلات من بينها أزمة اقتصادية حققت مكانة أفضل بكثير من الهند في مضمار السعادة.
فقد حلت باكستان في المرتبة 67 مما يشير إلى أن الناس في باكستان أكثر سعادة بلا شك عما هم عليه في الهند.
والنمو الاقتصادي في الهند وفر رخاء أكبر وأخرج عدداً أكبر من الناس من وهدة الفقر. لكن هذا لم يترجم الثروة إلى سعادة. وهذا يعني بوضوح أن السعادة لا تعتمد مباشرةً على الثروة. وأحد الأسباب لتقلص السعادة في الهند، قد يكون أن التباين بين الأغنياء والفقراء لم يتزايد إلا وضوحاً بسبب قوة النمو الاقتصادي.
ورغم المحاولات الجادة لإخراج الناس من الفقر، مازال هناك ملايين الناس يعيشون في فقر أو تحت خط الفقر. فهم ينظرون إلى تقدم قطاعات من الهند في الوقت الذي يشهدون فيه تخلفهم والتخلي عنهم.
وهؤلاء الذين مازالوا يعانون الفقر، تتصاعد طموحاتهم، رغم ذلك، مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة والإنترنت، مما يعزز أكثر رغبتهم في مجموعة من الماديات. صحيح أن اقتصاد البلاد حقق نمواً لكن لم يستفد من هذا النمو كل قطاعات المجتمع وتسرب الثروة والتقدم إلى الطبقات الأدنى مازال عملية بطيئة للغاية.
ومازالت هناك مشكلة زيادة أعداد العاطلين. فنمو الاقتصاد، لم يخلق الوظائف المطلوبة.
وهناك نحو 11 مليون هندي فقدوا وظائفهم عام 2018 وفقاً لتقرير صادر عن «مركز مراقبة الاقتصاد الهندي». وأظهر تقرير تحليلي أن الأفراد الذين ينتمون إلى الجماعات الهشة هم الأكثر تضرراً من فقدان الوظائف عام 2018. وتظهر البيانات بوضوح أن البطالة تزايدت باستمرار في الهند.
وهناك نحو 397 مليوناً كانوا يشغلون وظائف في ديسمبر عام 2018 وهو رقم أقل بمقدار 10.9 مليون شخص من العدد البالغ 407.9 مليون من الذين كانوا يشغلون وظائف قبل ذلك بعام أي في نهاية ديسمبر عام 2017.
وكشف مسح أجراه «مركز بيو البحثي الأميركي مسحاً في الآونة الأخيرة بين شهري مايو ويوليو عام 2018 أن 76% من الهنود لا يشعرون بالسعادة نتيجة الافتقار إلى فرص العمل و73% غير سعداء بسبب ارتفاع الأسعار. ومما يجعل وضع العمل أسوأ هو إحلال الذكاء الاصطناعي والآلات محل العمال للقيام بالأعمال التي كان يقوم بها البشر وخاصة من قوة العمال غير المهرة.
والهند التي يعمل 60% من قوتها العاملة في الزراعة والخدمات المرتبطة بها، يؤثر فيها ضعف المحصول على العمالة يؤدي إلى تقليص إنفاق المستهلك الريفي.
وقطاع الزراعة في الهند عاني لسنوات من عدة مشكلات امتدت من الاعتماد على الأمطار إلى سوء منشآت الري في غمرة جهود لزيادة عائدات المحاصيل.
وضعف المحصول أو انخفاض أسعاره يورط المزارعين المثقلين بالديون أصلا في أزمة مالية.
وتحدثت تقارير عن انتحار مزارعين في أنحاء مختلفة من البلاد حيث ينتحر أكثر من 12 ألف مزارع في العام، وفقا للتقديرات الحكومية.
ودخول المزارعين تزايدت ببطء شديد بنسبة هزيلة بلغت 0.44% على مدار السنوات الخمس الماضية.
وكل هذه عوامل رئيسية يمكن أن تساهم في تقليص شعور الناس بالسعادة في بلد يقطنه 1.25 مليار نسمة.
والعوامل الأخرى تتضمن الافتقار إلى إسكان ملائم مما يجعل ليس فقط الفقراء بل أيضا الطبقات الوسطى أقل سعادة. وهذا التقرير جاء في وقت تقدم فيه الهند على انتخابات عامة تتم على مراحل وعلى مدار شهرين. ويسعى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى فترة ولاية أخرى. صحيح أن «مودي» مازال زعيما يتمتع بشعبية لكنه يواجه تحديات من حزب «المؤتمر الوطني» وطائفة من الأحزاب الإقليمية التي تسعى إلى العودة إلى السلطة.
فقد وعد حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم في حملته عام 2014 بحلول «أيام طيبة». ورئيس الوزراء نفسه وعد بتوفير ملايين الوظائف للشباب لكن هذا الوعد لم يتجسد قط.
ومن الواضح أن «الأيام الطيبة» لم تحل بملايين الهنود ولذا فهذا الوعد والشعار لم يتكرر في انتخابات عام 2019.
وسيكون من الشيق أن نرى مدى تأثير تقلص السعادة على طريقة تصويت الناس في الانتخابات.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي.