بالنسبة للمنتمين لـ«الجيل إكس» مثلي، هناك شيء غريب بخصوص التجارب السياسية المؤثرة في حياة أبناء هذا الجيل. ذلك أنها جميعها حدثت خلال الفترة ما بين أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، فترة مثلت عقداً سعيداً بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية.
فلنتأمل حالة العالم مع بداية ذاك العقد. موجة من الدمقرطة التي بدأت في جنوب أوروبا تمتد إلى أميركا اللاتينية وشرق آسيا وأوروبا الشرقية. وحلف وارسو يتفكك على نحو سلمي. ونيلسون مانديلا يفرج عنه في جنوب أفريقيا في وقت كان من الواضح فيه أن نظام الحكم العنصري وصل نهايته. وفي الوقت الذي أخذت فيه هذه البلدان تتبنى الديمقراطية، كانت تتحول أيضاً إلى اقتصادات أكثر انفتاحاً. وبدا أن الاتجاهات العامة في مصلحة الولايات المتحدة.
كانت السياسة الخارجية الأميركية خلال التسعينيات تتم على مسارين. الأول تمثل في الجهود الرامية للحفاظ على مؤسسات الحرب الباردة التي أنشأها الغرب وتوسيعها. فمنظمة التجارة العالمية أُنشئت خلال هذه الفترة. والعضوية في هيئات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي توسعت لتشمل بلداناً كانت قد تجنبتهما سابقاً بسبب أيديولوجيات قديمة. واستُبدل «الاحتواء» كاستراتيجية كبرى بـ«إعادة الإدماج».
أما المسار الثاني، فكان يقوم على تركيز جوانب من القوة الصلبة الأميركية على الأجزاء الأكثر مقاومةً من العالم. وفي هذا الصدد، شكّلت الولايات المتحدة ائتلافاً واسعاً من أجل طرد صدام حسين من الكويت. والأكيد أن تدخلها في الصومال لم ينجح، مثلما لم ينجح عدم التدخل في رواندا. غير أن التدخلات بقيادة الولايات المتحدة في البوسنة وكوسوفو بدت فوضوية في البداية وكانت ناجحة في الجوهر. تلك التدخلات كانت سريعة بما يكفي لتجنب تسمية المستنقع.
وفي الخلاصة أقول بدا كما لو أن العالم يتجه نحو أميركا، وأن التدخلات الأميركية النشطة من أجل تغيير العالم أخذت تأتي أكلها.
وبالطبع، فإن ما بدا انتصارات وقتئذ خلق مشاكل طفت على السطح في القرن الـ21. وبوسع المرء أن يحاجج هنا بأن التدخل الأميركي في كوسوفو، وأكثر بكثير من توسيع الناتو، كان بدايةَ تدهور العلاقات مع روسيا. وفضلاً عن ذلك، فإن الأزمة المالية الآسيوية أقنعت الاقتصادات المطلة على المحيط الهادئ بالشروع في تأمين نفسها ضد أزمة مالية، وذلك حتى لا تضطر للجوء إلى صندوق النقد الدولي مرة أخرى. غير أن هذا أطلق بداية اختلالات أدت إلى أزمة 2008 المالية.
ولعل الأهم من ذلك هو أن التدخلات العسكرية الناجحة في التسعينيات أسهمت في «الحروب الدائمة» التي شُنت مع بداية القرن الـ21. فتلك التدخلات كانت سريعة بما يكفي لإقناع صناع السياسات والمراقبين بأن التدخلات العسكرية يمكن أن تكون سريعة ومركزة ومحدودة. ولكن حربي أفغانستان والعراق عرفتا سيناريوهين مختلفتين.
والحاصل أن أي عقد لم يكن ممتعاً منذ التسعينيات. ولا يسع المرء إلا الأمل في ألا نتعامل مع الأمور على أنها مسلَّمات إذا كُتب لنا أن نعيش عقداً مثل التسعينيات مرة أخرى. ولئن كانت التسعينيات قد دفعت الكثيرين في أبناء جيلي للظن بأن الرياح الخلفية تهب لصالح مكانة أميركا في العالم، فإن الأمر استغرق بضعة عقود من الرياح الأمامية القوية حتى ندرك حماقة ذلك الاعتقاد.

*أستاذ السياسة الدولية بكلية فليتشر للقانون والدبلوماسية جامعة تافتس الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»