لا يمكن تجاهل دور المسرح الذي يعد أحد أهم أركان بناء الثقافة في الدول، ويلعب دوراً أساسياً في الارتقاء بالمجتمعات فكرياً. إن قلة الوعي الثقافي والفني لدى الكثير من الشباب في العالم العربي كان السبب الرئيسي وراء انجرافهم إلى التطرف الفكري الذي يبثه المتطرفون عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لذا يمكن تنوير الشباب من خلال المسرح. ولا جدال في أن المسرح هو أبو الفنون، وهو الأساس الذي تنطلق منه كافة الفنون الأخرى، والدور المحوري الذي ينهض به في تنوير الشعوب ونشر الثقافة ودعم قيم التسامح والتعايش بين مختلف شعوب العالم معلوم للجميع. تبدع إمارة الشارقة في توظيف المسرح كمنبر معرفي عن طريق توظيف الخطاب المسرحي في التنمية الفكرية التي تساهم في بناء وعي إنساني ومجتمعي. ولذا تستضيف الشارقة مهرجانات مسرحية طوال العام ومنها مهرجان المسرح الصحراوي، مهرجان خورفكان المسرحي، المهرجان المسرحي الخليجي، مهرجان دبا الحصن، أيام الشارقة المسرحية، مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي. وهذه المهرجانات ملتقيات فكرية وثقافية تجمع بين الفنانين والمثقفين وتشجع على التنافس والإبداع المسرحي الذي يساعد في وضع رؤية مستقبلية للارتقاء بالفن المسرحي، يضاف إلى ذلك الندوات، والحلقات النقاشية، وورش العمل، والسهرات الفنية التي تُعقد على هامش هذه المهرجانات.
في تلك المهرجانات يتم دعم وتشجيع الفنانين من أجل الارتقاء بالفن المسرحي سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الخليجي، أو على مستوى الوطن العربي. في أيام الشارقة المسرحية تنافست مؤخراً عدة عروض مسرحية على المستوى المحلي في الدولة للارتقاء بفن المسرح، علاوة على جوائز تشجيعية وتحفيزية لخلق مزيد من الإبداع لإظهار أفضل العروض للجمهور. يحرص صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، على حضور حفل ختام المهرجانات لتكريم العروض المسرحية الفائزة بنفسه. وفي كل مرة يبهر سموه الحضور بالمفاجآت الثقافية، ففي مهرجان المسرح الخليجي أعلن عن تأسيس أكاديمية الشارقة للفنون الأدائية، والتي ستستقطب الطلاب الإماراتيين والمقيمين في بداية فصل الخريف المقبل (2019-2020) على أن تكون الدراسة مجانية.  يقول دكتور بيتر بارلوا المدير الأكاديمي في الأكاديمية إنها ستكون الأولى ليس فقط على مستوى الشرق الأوسط بل في العالم، والتي تشمل ثلاثة مسارات فنية: قسم المسرح والموسيقى والرقص التعبيري. وفي أيام الشارقة المسرحية في دورتها الـ 29 أعلن سموه عن تأسيس «رابطة أهل المسرح».
والهدف من تلك الأنشطة المسرحية هو تعزيز التنمية الثقافية ونشر الوعي الثقافي، إذ يؤكد أحمد بورحيمة مدير إدارة المسرح بدائرة الثقافة بالشارقة أن الهدف من إقامة المهرجانات المتعلقة بالمسرح هو مد جسور التواصل بين المسرحيين، وإثراء الجانب الثقافي للمهرجانات.
ويؤكد صاحب السمو حاكم الشارقة أن المسرح هو الإنسان بكل ما يحمله من معنى، وإيمانه بأهمية المسرح للبشرية ساقه إلى كتابة نصوص مسرحية ومن بين أعماله المسرحية المشهورة «عودة هولاكو»، «القضية»، «الواقع صورة طبق الأصل»، «الإسكندر الأكبر»، «النَّمْرود»، «الحجر الأسود» و«طورغوت»... إلخ. وآخر كتاباته التي تثري المكتبة المسرحية هي «التاريخ على خشبة المسرح الفرنسي»، وفيها يلخص تجارب أحد عشر كاتبًا فرنسياً انتقاهم، وذلك لاختلاف طرائقهم في معالجة الجانب التاريخي في نصوصهم المسرحية. يقول سموه: «المسرح ميدان رائع للتعبير عما تزخر به الحياة الاجتماعية من أذواق العصر، والأفكار، والطموحات الجديدة».

ولعل ما يدعونا للتفاؤل فوز العرض المسرحي (صدأ) الذي قدمته مجموعة من شباب الإمارات بجائزة أفضل عرض في فئة عروض الشباب والفضاءات غير التقليدية وذلك يوم الأحد الماضي  خلال الدورة الرابعة  لمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي. يجب أن يكون هناك إدراك لأهمية ما يقدمه المسرح وتقديم الدعم المادي والمعنوي ليساهم في بناء الوعي الثقافي والفني بشكل متواز في أنحاء الدولة. إن الاهتمام بالنشاط المسرحي حتماً يحقق مردوداً إيجابياً على المستوى الفكري ويرتقي بالمجتمعات فكرياً.