في اليوم الأول من تاريخه السياسي عام 2015- حين أعلن عن مسعاه للمنافسة على منصب الرئاسة- غير دونالد ترامب مسار السياسة الأميركية. وانتقاده للهجرة غير الشرعية كان شديداً ومثيرا للشقاق وقدم فيه صورة مغلوطة عن حالة الهجرة غير القانونية، لكنها أصابت الهدف عند كثيرين من الأميركيين. وهذه لن تكون المرة الأخيرة التي يُظهر فيها ترامب براعته في قراء توجهات الناخبين الذين سيصبحون قاعدة مؤيديه أو في استخدام قضية عامة للحصول على ميزة انتخابية.
فها هو الآن يمارس مهارته مرة أخرى ويجب على جميع السكان الانتباه لهذا. ففي كلمته لخطبة حالة الاتحاد وما بعدها، استهدف ترامب فكرة الاشتراكية بسهام نقده. وهذا تحرك سياسي ماهر. ففي مناخ السياسة الاستقطابية الحالي، من المرجح ألا تأتي أكبر التحديات التي تواجه ترامب من الوسط بل من اليسار. وهناك عدد كبير أعلام الليبراليين لا يجدون حرجاً في تبني بعض أفكار الاشتراكية. واتبع ترامب تعاليم السياسة في العصر الحديث حين وصف النائبة الديمقراطية الجديدة الكسندريا أوكاسيو كورتيز أو السيناتورة الديمقراطية اليزابيث وارين وآخرين باعتبارهم تهديدا للرأسمالية الأميركية. وتشير دراسات إلى أن الخوف من الحزب المنافس يؤدي إلى تمسك المرء بحزبه بشكل أكبر.
لكن كما هو الحال مع الهجرة، ليس كل كلام ترامب وهجماته مجرد تهديد وجلبة فارغة. فأميركا كانت تحتاج إلى جدل حيوي ومفتوح بشأن الهجرة. ولسوء الحظ لعب ترامب دوراً في احتدام الجدل. لكنه ركز على هذا بحدسه السياسي الذي أوحى إليه بأن هذه قضية كبيرة غير محسومة. والشيء نفسه يصدق على الاشتراكية. فقد نشرت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» موضوعاً كبيراً حظي بإشارة على الغلاف عن هذا الموضوع في أكتوبر عام 2018. فالنظام الاقتصادي لم يترك لجيل الألفية والجيل التالي عليه إلا فرصا ضئيلة للحصول على وظائف مستقرة نوعا وتركهم مثقلين بديون الدراسة بينما ظلت هناك أسئلة مزمنة بشأن الفرص المتساوية للأقليات والفقراء. صحيح أن هذا الجيل أكثر انفتاحا على الأفكار الاشتراكية، وليس الاشتراكية نفسها. وهذا يستحق جدلاً حيوياً ومفتوحاً. ويتعلق بهذا الهوية الاقتصادية للولايات المتحدة.
فقد قامت الولايات المتحدة منذ تأسيسها على فكرة الفردية والاعتماد على الذات.
فهل الحل يكمن في اتباع الأسلوب الأوروبي من الاشتراكية بصفة عامة؟ البعض في اليسار يعتقد هذا لكن الرئيس يحاول خلق حالة من الخوف من تبني هذا النهج الاشتراكي. لكن السؤال الأعمق يتعلق بماهية الطريقة الأميركية الفريدة لنشر الفرص على أوسع نطاق ممكن.
ينشر بترتيب خاص «كريستيان ساينس مونيتور»